وهذا العلم يكون يقينًا عند توديع هذه الفانية ، وانبلاج صبح الباقية . ومن أصدق من الله قيلا ً .كثير من علماء الطب والمستشرقين أسلموا ، ألم يؤثِّر إسلامهم في قلبه وعقله ؟! أم أنه خشي على صِّيته وجاهه وحياته إن أسلم وخضع لربِّه ؟! .بعض المشاهير يكونون فتنة لمن عاصرهم أو جاء بعدهم ، وقد نهى الله تعالى عن الإعجاب بمثل حال هذا الرجل ، كما في قوله تعالى :” فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذِّبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون ” ( التوبة : 55 ) .
درج على هذه البسيطة ملايين الناس من الملل التي لا تدين بالإسلام ، بعضهم خدم البشرية بإبداع أو اختراع ، في التعليم أو في الطب أو في التقنية بعامة ، ومنهم من يُقدَّم اسمه على المسلمين في الجامعات والمعاهد اعجابًا بهم وافتخاراً بتقدمهم . وهذا حق كل من تجلَّد للصعاب .
من المؤسف أن هذا الرجل رحل ولم يكتب سطراً واحداً عن مآسي المسلمين في الشام أو العراق أو بورما أو غيرها من بلاد الدنيا . واليقين أن هذا الرجل لم يشتهر إلا بآلة الإعلام الغربي التي تُقدِّم كل من يمجِّدها وتؤخِّر كل من يقدحها ، وكان لبني جلدته دور في إظهاره وإشهاره ، وقد كان للبابا شنوده الهالك ، صِّيت بنحو صيت هذا الرجل ، ومثلهما غاندي الهندي الوثني ، فلا غرابة فهم يعرفون وزن رموزهم ! ، والبعرة تدل على البعير ، وكم من ممالك هلكت – وقد كانت على الحق – ولم يعرفها أحد إلى اليوم ؟! .
ولو نبش جريٌء ملفات التحقيق عند النصارى ومن ناصرهم ، لعلم أن كثيراً من علماء الإسلام والعروبة تم اغتيالهم عمداً واخفاء أدلة قتلهم ، لئلا يظهروا على أندادهم من الغربيين ومن شايعهم ! ، وهذا متفق عليه عند الخاصة والعامة ، لكن الحمية الكافرة تأباه .
ولو تأملت الإختراعات العلمية من بندول الساعة مروراً بآلة غزل القطن إلى البندقية والطائرة ، لوجدت لها أثراً إسلامياً قديماً ، لكن أخفاها ضعف العرب وتفرقهم وتدليس الغرب ونفوذهم على مكتسباتنا ، وإلى الله المشتكى .
القيِّم السامية التي دافع ونافح عنها مانديلا ليست من تراث النصارى ، بل من تراث المسلمين الذي تلاعبت بها الملل الكافرة ، كما دوَّنه الكاتب المنصف مايكل هاميلتون مورجان ، رئيس ومؤسِّس منظمة أُسس جديدة للسلام الأمريكية ، والذي عمل دبلوماسياً في الخارجية الأمريكية في الفترة من 1980 وحتى عام 1987م .
فقد أفاد وأبان في هذا الكتاب بأن الحضارة الإسلامية بقيمها وعلومها مختطفة عمداً وقد غُيِّبت شخوصها ورموزها . ولا يعرف العالم الغربي هذه الحقيقة إلا على نطاق ضيق من المستشرقين وعلماء التربية .
يندر أن يُنكِّس الغرب أعلامهم إلا لمن سار سيرتهم واتبع مِلَّتهم واقتفى أثرهم ونافح عن ديانتهم .
نحن نعلم أن منهم منصفون ، لكن الإعلام الغربي الذي يسيطر على الإبداع البشري بكافة أنواعه يتعمَّد تأخير كل إسلامي ، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال : ” ألا إن القوة الرمي ” أخرجه مسلم .
فهم غلبونا بقوتهم وسهامهم في التجارة والصناعة والسلاح والنفوذ ، وكل مجالات الغلبة التي تحملها الدلالة اللفظية .
نريد من حكام المسلمين أن يقيموا مؤتمرًا إسلاميًا عن عدل عمر بن عبد العزيز وإنصافه ، أو عن صلاح الدين الأيوبي وشجاعته ، أو عن محمد بن إبراهيم آل الشيخ وفقهه ، رحمهم الله تعالى ، وليكن هذا المؤتمر في لندن أو باريس أو جوهانسبرج . فهل يوافق الغرب على مثل هذا الطرح ؟! .
لقد راقبتُ النشر الإعلامي بعد وفاة كل رمز نصراني فوجدتُ ضجةً في كل القنوات الفضائية والصحف الإلكترونية ، وراقبتها بعد وفاة كل رمز من رموز المسلمين فوجدتُ الجفاء والتكتم والصمت المطبق ، مما يدل على أن القوة الإسلامية في الإعلام وغيره تجرُّ أذيالها في عصر الثورة الإلكترونية والعلمية التي خطَّط لها الغرب منذ مئات السنين ، ونحن في سبات عميق ! .
الحلُّ الجامع لهذه المعضلة هو إصلاح النيات ، وتصحيح التعليم والإعلام من الدخيل والباطل وتنقية ما تخلَّلهما بقوة الوحي والسلطان . وهذه مهمة العلماء ولا يجسر عليها إلا من ثبَّته الله وقوَّى جَنَانه .
هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .