رؤية شرعية لدعوة الفاتيكان للصلاة الثلاثية

في العام الفارط ( 1434هـ ) ظهرت وثيقة إنجيلية مُسرَّبة من إحدى خزائن روما ، وكانت صدمة قوية لكثير من النصارى لوجود اسم الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم بين سطورها – ، وتبشيره بدين الإسلام المهيمن على الديانات .

 وقد أسلم بسبب هذه الوثيقة نحو ثلاثين من القساوسة ، وكانت سبباً في استقالة ( بابا ) الفاتيكان ” بنديكتوس الـسادس عشر ،  خشية على حياته من القتل والفضيحة  .

ويوجد حالياً ثلاثة من القساوسة في الفاتيكان يكتمون إيمانهم ، بسبب قناعتهم بدين الإسلام وتمهيداً للخروج من النصرانية في وقت لا يسبب لهم خطرًا على حياتهم  . وهذا مستفيض في أوساط المسلمين في جاليات بلاد أوروبا ، ويعرفه طلبة العلم هناك  .

مخرجات مدرسة التنصير وفلوله اليوم شرعت في إقامة صلاة ثلاثية : يهودية ونصرانية وإسلامية في روما ، لإضعاف الروح المعنوية لأهل التوحيد ، وللتغطية على الهزيمة النفسية لدور الكنيسة النصرانية ، ولإظهار التسامح في العالم ، وللتعتيم على جرائم إبادة المسلمين في فلسطين وأفريقيا وغيرها من بلاد المسلمين.

مجاملة اليهود والنصارى  – المغضوب عليهم والضُّلال – بالصلاة معهم حقيقتها  : إضعاف عقيدة الولاء والبراء في قلب المسلم ، والتدليس على المسلمين بتسامح غيرهم معهم مع مكرهم وخداعهم لخدمة مصالحهم .وقد يكون لهم مآرب أخرى في البلاد الإسلامية ، فيفتنون الناس بهذه الحيلة الماكرة    .

ويا سبحان الله : هم يزعمون أن ديننا باطل ، ثم ينادوننا للصلاة معهم! وقد قال الله تعالى : ” ولن ترض عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع مِلتهم ” ( البقرة: 120  )   .

والتاريخ يشهد بأن الفاتيكان دولة دينية صليبية طاغوتية دموية وأقدم مافيا دينية بلا خِلاف بين المؤرخين   .

وفي الستينات أُثير جدل واسع حول قتل قساوسة الفاتيكان لأحد باباواتهم بالسُّم ، فكيف بغيرهم من غير بني جلدتهم ! .

وعلى من يجهل تاريخ الفاتيكان الدموي من البطش والعمل بطريقة المافيا أن يقرأ كتاب ( الكيان ) ليريك فرانتيني ، وهو يباع في  مكتبات جرير والعبيكان اليوم، والحمد لله فالحق أبلج كنور الشمس .   .

وقد أحسن ابن القيِّم ( ت: 751هـ) رحمه الله تعالى في وصفه لتحريف اليهودية والنصرانية لدينهم بقوله :

” فدين أُسِّس بنيانه على عبادة الصلبان والصور المدهونة في السقوف والحيطان، وأن رب العالمين نزل عن كرسي عظمته فالتحم ببطن أنثى وأقام هناك مدة من الزمان، بين دم الطمث في ظلمات الأحشاء تحت ملتقى الأعكان، ثم خرج صبياً رضيعاً يشب شيئاً فشيئاً ويبكي ويأكل ويشرب ويبول وينام ويتقلب مع الصبيان، ثم أودع في المكتب بين صبيان اليهود يتعلم ما ينبغي للإنسان، هذا وقد قطعت منه القلفة حين الختان، ثم جعل اليهود يطردونه ويُشرِّدونه من مكان إلى مكان، ثم قبضوا عليه وأحلوه أصناف الذل والهوان، فعقدوا على رأسه من الشوك تاجاً من أقبح التيجان، وأركبوه قصبة ليس لها لجام ولا عنان، ثم ساقوه إلى خشبة الصلب مصفوعاً مبصوقاً على وجهه ،وهم خلفه وأمامه وعن شمائله وعن الأيمان .
ثم أركبوه ذلك المركب الذي تقشعر من القلوب مع الأبدان، ثم شُدَّت بالحبال يداه ومع الرجلان، ثم خالطهما تلك المسامير التي تكسر العظام وتمزق اللحمان وهو يستغيث: يا قوم ارحموني! فلا يرحمه منه إنسان،  هذا وهو مديِّر العالم العلوي والسفلي الذي يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن ، ثم مات ودفن في التراب تحت صم الجنادل والصوان ، ثم قام من القبر وصعد إلى عرشه وملكه بعد أن كان ما كان ،فما ظنك بفروع هذا أصلها الذي قام عليه البنيان !  .

  •  وهذه رؤية مختصرة للتوحيد بين النصرانية والإسلام لمعرفة إثم وخطأ وتناقض الصلاة معهم  :
    1-   الاسلام يدعو إلى توحيد الله في ذاته وصفاته ، ويقرر  أنه هو وحده المستحق للعبادة لا غيره : ” قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ  اللَّهُ الصَّمَدُ  لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ”  ( الإخلاص1- 4 )   .
    بينما نجد المسيحية تدعو إلى عقيدة التثليث : الإله الأب ، والإله الابن ، والإله الروح القدس، وتقول : إن الثلاثة جميعاً يستحقون العبادة  !   .
    2 – المسيح في الاسلام ما هو إلا رسول كريم من عند الله تقدست أسماؤه  بينما هو الله في المسيحية  ، تعالى الله عن ذلك.3-  المسيح في الاسلام جاء ليخرج بني إسرائيل من الضلال إلي الهدى ويدعوهم إلي عبادة الله وحده ،أما في المسيحية فإنه جاء ليقتل ويموت على الصليب كفارة عن خطيئة آدم !  .
    4-  الإسلام يدعو إلى الإيمان والعمل، مصداقاُ لقوله سبحانه وتعالى: ” مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِوَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ  “( البقرة : 62  )  . 

    أما المسيحية فإنها تدعو إلي الايمان بالإله الإبن ، وترك الأعمال ، وخاصة الطائفة الإنجيلية ، متبعين قول بولس : إِذْ نَعْلَمُ أَنَّ الإِنْسَانَ لاَ يَتَبَرَّرُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ، بَلْ بِإِيمَانِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، آمَنَّا نَحْنُ أَيْضاً بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، لِنَتَبَرَّرَ بِإِيمَانِ يَسُوعَ لاَ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ . [ رسالة غلاطية 2 : 16  ]  .


 5- الاسلام يؤكد على أن الله سبحانه وتعالى غفور رحيم يقبل توبة العباد لقوله : ” وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ” ( الأعراف: 156  )  .

أما المسيحية فإنها تؤمن بأن الله لم يعفو عن آدم ولم يشفق على ابنه

حتى انتقم منه بالصلب  ! .


6-  الروح القدس في الإسلام هو الملك جبريل- عليه السلام –  الذي أيد الله به المسيح عيسى عليه السلام     .
أما المسيحية فإنها تزعم بأن الروح القدس هو الله ، تعالى الله عن ذلك.

7-  القرآن الكريم أبان أن المسيح عليه السلام كان وجيهاً في الدنيا والآخرة ، أما في الانجيل فنجده – عليه السلام – عندهم ذليلاً مُهاناً بين اليهود ، فقد قاموا بضربه ولكمه وجلده والبصق عليه . [ متى 26 : 67 ] و [ لوقا 22 : 63 ] .

8-  يؤمن أهل الاسلام بأن الله أبطل مكر اليهود فلم يمكنهم من قتل المسيح .
أما المسيحية فإنها تعلن بأن اليهود جلدوا المسيح وصلبوه .


9-  أكد القرآن الكريم أن الحواريين لبُّوا دعوة المسيح كما في سورة الصف  .
أما الانجيل فإنه يقص أن الحوارين هربوا وتركوا المسيح . [ مرقس 14 : 50  ] .


10-  أبان القرآن الكريم على لسان المسيح عليه السلام قوله : “ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ” (المائدة :  118)  .
أما الانجيل فإنه يقص أن المسيح كان يدعو على الفريسيين والصدوقيين بالهلاك والدمار والشتم . كقوله لهم:  يا أولاد الافاعي ويا أغبياء ويا خبثاء !   .

11-  الأنبياء والرسل في نظر الاسلام من عباد الله الصالحين المعصومين من الكبائر .

أما في المسيحية فإن الأنبياء – عندهم – أقبح من الناس العاديين فمنهم من زنى ، ومنهم من عبد الاوثان ، ومنهم من شرب الخمر وتعرَّى أمام الناس ، حاشاهم عن ذلك عليهم السلام  .


12-  القرآن الكريم يخبر بأن الله سبحانه ليس كمثله شيىء: “فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَأُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير “ُ (الشورى : 11)  .

أما الكتاب المقدس فقد جاء فيه أن الله – سبحانه تعالى – يشبه الانسان [ تكوين 1 :  26 ]



13-  القرآن الكريم يؤكد بأن الله لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد : ” قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ  اللَّهُ الصَّمَدُ  لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ   ”
بينما المسيحية تؤمن بأن الله نزل إلى الارض ، وعاش في رحم إمراة ثم خرج من فرجها في صورة طفل مولود  ! .

14- صلاة اليهود الحالية أناشيد وأدعية وابتهالات ليس فيها تعظيم لله تعالى ولا لشعائره ، فهي فاسدة شرعاً وعقلاً . والقصد من إقامتها مع صلاة المسلمين بث الوهن في قلوب الناس لترهيبهم من الدِّين الحق . وقد قال الله تعالى : ” ودُّوا لو تُدهن فيدهنون ”  ( القلم :9).

والحس والفطرة لا تُصحِّح مثل هذه الصلاة لمصادمتها للثوابت الربانية التي نزلت بها الشرائع الصحيحة  .

والخلاصة  أن إنشقاق الكنيسة الكاثوليكية وإنهيار الفاتيكان حدث قريب جداً ولازم إن شاء الله تعالى، ولا ينكر هذا إلا من يجهل الواقع التأريخي والعقدي للدِّين النصراني المعاصر المحرَّف  .

وإخراج النصارى من عبادة ( البابا ) وقساوسته إلى عبادة ربِّ العباد هو واجب الوقت الآن لمن يقدر على ذلك بالحكمة والمجادلة الحسنة .

وختاماً أُنبِّه على أن ربط جواز صلاة  المسلم في الكنيسة بهذه المسألة المعاصرة قياس مع الفارق ، لأن العلة هنا عقدية وليست حُكمية .وقد تقرر عند الأصوليين أن سنة الترك واجبة إذا ثبتت بالأدلة القطعية  .

هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات   .

8/10/ 1435هـ