قبل سنوات أثارت مُصَّنفات الشيخ عبد الله بن يوسف الجديع ، وفقه الله تعالى ، زوبعةً قاسيةً في أوساط الخاصة والعامة . وكنتُ ألمح في بعض مُصَّنفاته ألمعية تدلُّ على بصيرةٍ في علوم الشريعة ، فهو حاذق في علوم الحديث ، لكنه في بعض كتاباته الفقهية مُتأثِّر بنزعة أهل بلاد الرافدين ، كما حَكى عنهم الإمام الأوزاعي (ت: 157هـ ) رحمه الله تعالى : ” نتجنَّبُ من قول أهل العراق خمساً … ” . رواها البيهقي في السُّنن الكبرى .

وكنتُ قد قَيَّدتُ تعليقاتٍ على هامش نُسختي من كتاب “تيسير علم أصول الفقه ” للجديع ، وهو كتاب نافع في الجُملة ،لكن عليه إستدراكات مهمة ،لأن بعض مواضعه مُخِلَّة ، ويجب أن يُطالعه الطالب بتأمُّل وحَذر في الجُملة.

• المواضع المُنتقَدة في كتاب التيسير :

1- أورد في المُقدِّمة ما نصُّه : ” حرصتُ على استدراك قضايا أُصولية كثيرة تفتقر إلى ذِّكرها أكثر كُتب الُأصول وهي من صميم العلم ..” . قلت : هذه دعوى عريضة.
فهناك مسائل أُصولية مهمة لم يعتنِ بها ولم يُناقشها ولم يُحرِّر الكلام حولها . ومن تلك المسائل : دلالة الإقتضاء ودلالة التنبيه وهما من أقسام المنطوق غير الصريح ، ومسألة الدوران والعكس ، أو الدوران الوجودي والعدمي . ومسألة الوصف الطردي وأنواع الأوصاف المُؤثِّرة في الحكم ، ومسألة إنفكاك الجهة . وبعض المسائل الأصولية لا يحكي سبب الإنحراف في مفهومها عند المتأولين .

2- أورد في المُقدِّمة ما نصُّه : ” وهذا العِلم يجب أن تُستفاد أُصوله من الكتاب والسنة ” . قلت : يُستدرك على هذا الضابط أن يكون ذلك بفهم سلف الأمة لا بفهم الخَلف ، بعيداً عن التأويل والتلفيقات التي تُضعف هَيبة النُّصوص في قلوب الناس . وقد لاحظتُ- كما لاحظ غيري- من خلال تأمُّلي لبحوث الجديع كمؤلَّفاته حول تجويز الغناء والموسيقى ، وجواز حلق الِّلحية ومسائل فقهية أخرى شاذَّة ، وفي كتابه المُنتقد هنا : ” تيسير علم أصول الفقه ” شيئاً من هذا . وعند الجديع – بِحُكم بيئته – نَهم شديد بفقه الشافعية المُتأخِّرين وتتبُّع لرخصهم ، بعيداً عن جادَّة الجمهور . وكثيرٌ من أحكامه يبنيها على قاعدة رفع الحَرج وقاعدة العمل بالعرف ، وقاعدة فتح الذرائع ، والتوسُّع في الإجتهاد . وهذه صفةٌ كاشفة تظهر في كثيرٍ من مصنفاته وفتاويه .

3- أوردَ في المُقدِّمة ما نصُّه : ” شرطتُ أن لا أذكر فيه حديثاً أو أثراً إلا وهو ثابتٌ من جهة النقل ، ولا أُقلِّد في عزو الأخبار إلى كتب الحديث ، ولا أُقلِّد في الحُكم على الإسناد ، بل هي نتيجة البحث والدراسة ” . قلتُ : أما الشرط الأول فقد التزم به ، أما الثاني فقد خَرمه بالتساهل في التضعيف على حسب الإتجاه الفقهي الذي ينحو إليه الجديع ، فتارة يُشدِّد وتارة يتساهل وهو الغالب ، وسبب ذلك عنده توسُّعه وإستغراقه في قاعدة رفع الحرج والأخذ بالعُرف والتمسُّك بأقوال الشافعية المُتأخِّرين .

وأكثر فتاوى الجديع المنشورة إن لم يكن كُّلها ، مبنيةٌ على هذه الركائز الثلاثة . وقد تتبعتُ كل ما كتبه الجديع وفحصته ، فوجدتُه لا يخرج عنها إلا في النادر اليسير .

4-في مبحث الأحكام التكليفية عند كلامه عن المكروه ، أشار إلى مسألة كراهة مصافحة المرأة الأجنبية ، وقال ما نصُّه : ” ولم يأتِ في هذه المسألة ما يدلُّ على تحريم مجرد المصافحة للنِّساء إلا أن تكون بشهوة “. قلت : الصحيح خِلاف ما ذكر ، فقد صح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: ” كان لا يُصافح النِّساء في البيعة ” أخرجه الإمام أحمد وصححه المُحدِّث أحمد شاكر . وهذا الترك منه صلى الله عليه وسلم بيان لحكم مُجمل معلوم الحكم عام يقتضي التحريم ، فلا يسوغ تخصيص ذلك بحال البيعة فحسب ، كما أشار إليه الجديع .

وقد ذكر الجديع أن المُصافحة بشهوة محرمة ، وبغير شهوة مكروهة !! . وعلَّق على حديث : ” لئن يُطعن في رأس أحدكم بمخيطٍ من حَديد خيرٌ له من أن يَمسَّ امرأةً لا تحل له ” أخرجه الطبراني وحَسنه الألباني . قال :

” وهو حديث معلول لا يصح مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ، إنما الصواب أنه من قول معقل ابن يسار . قلتُ: بل الحديث ثبت رفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم كما ثبت وقفه على معقل ابن يسار ، فقد صح مرفوعا وموقوفاً في آنٍ واحد .

والسبب في ذلك اختلاف الرواة فيه على يزيد بن عبدالله ابن الشخّير، فهذا محمول على أنه حدَّث به مرة مرفوعاً ومرة موقوفاً ، وقد قال الإمام الخطيب البغدادي(ت: 463هـ ) رحمه الله تعالى : ” اختلاف الروايتين في الرفع والوقف لا يُؤثِّر في الحديث ضعفاً ؛ لجواز أن يكون الصحابي يُسْنِدُ الحديثَ مرّةً ويرفعُهُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، ويذكُرُهُ مرّةً أخرى على سبيل الفتوى ولا يرفعه ، فحفظ الحديثُ عنه على الوجهين جميعاً ، وقد كان سُفيان بن عيينة يفعل هذا كثيراً في حديثه ، فيرويه تارةً مسنداً مرفوعاً ، ويقِفُهُ مرّةً أخرى قصداً واعتماداً ، وإنما لم يكن هذا مؤثراً في الحديث ضعفاً . لأن إحدى الروايتين ليستْ مكذِّبَةً للأخرى ، والأخذ بالمرفوع أولى ؛ لأنه أزيدُ ” .

قلت : فتكونُ دلالة الحديث تحريم مصافحة المرأة الأجنبية . وقد ناقض الجديع نفسه فقد قال قبل هذا الحديث بصفحات :” التحريم لم يأت في شريعة الإسلام إلا لشيٍ كانت مفسدته خالصة أو غالبة ، وجميع المحرمات لا تخلو من أن تكون على واحدٍ من الوصفين ، وهذه قاعدة عظيمة في الفقه لإدراك ما يُمكن أن يلحق بالحرام بحسب رجحان جانب المفسدة أو فقدان المصلحة ” ! .
فلو أن الجديع أعمل قاعدة درء المفسدة وجلب المصلحة – على فرض عدم صحة حديث معقل بن يسار – لما قرَّر ما تقدَّم من فتح باب التساهل بجواز مصافحة النساء ، وحتى ولو كان حُكم الحديث من المسكوت عنه .

وقد قال العالم الأصولي ابن دقيق العيد(ت: 702هـ ) رحمه الله تعالى : ” لا شك أن ظاهر الأمر الوجوب ، وظاهر النهي التحريم ، فمن أزالهما عن الظاهر فهو محتاج إلى الدليل” .

5- قال في مسائل المُباح عند مسألة الإستصحاب : “كل شي مباح ما لم يرد دليل ينقله من تلك الإباحة غيرها من الأحكام التكليفية، فلا يُدَّعى وجوب أو استحباب أو تحريم أو كراهة إلا بدليل ناقل إليها من الإباحة ” . قلت: أولاً : المباح ليس من الأدلة التكليفية ، لأنه لا تكليف فيه ولا طلب ، وهذا قول الجمهور . الثاني : الاستصحاب ليس كُّله يجوز العمل به عند الأصولييِّن . ومن ذلك استصحاب حكم الإجماع فإنه ليس بحجة لأنه يُؤدِّي إلى تكافؤ الأدلة كما قرَّره ابن قيم الجوزية (ت: 751هـ )رحمه الله تعالى . فليت المؤلِّف نبَّه على هاتين الملاحظتين . وقد قال الإمام ابن تيمية (ت: 728هـ) رحمه الله تعالى: ” الإستصحاب أضعف الأدلَّة ” .

6- عَلَّق الجديع على حديث النُّعمان بن بشير رضي الله عنه :” إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن وبينهما أُمور مُشتبهات لا يعلمهن كثيرٌ من الناس ” متفق عليه . قال في كلامٍ طويل : ” إن الحنابلة والمالكية يستدلُّون بهذا الحديث على سَدِّ الذرائع وهذا استدلال في غير مَحلِّه ، فإن المشتبهات التي يتميَّز فيها الحكم تُترك تورُّعا خشية أن تكون حقيقة حكمها التحريم ، فيواقعها من غير أن يكون له تأويل بالحِلِّ ، فيقع في الحرام ، فهي في نفسها مَظنةٌ الحرمة وليست ذريعة إليها ” . قلت : ومعنى كلامه الذي يفهمه السامع أو القارىء ، أو مفهومه في أقلِّ أحواله ، عدم التورُّع عن المشتبهات ، وجواز إقتحامها وعدم البعد عنها . وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ” دَع ما يريبك إلى ما لا يريبك ” أخرجه الترمذي بإسناد حسن . فكيف تقول يا جُديع تُترك تورعاً وأنت لا تُحذِّر منها أو لا تجعلها سبباً للحرام ؟! .ويُردُّ على الجديع هنا بكلام الإمام ابن المنذر (ت: 318هـ) رحمه الله تعالى:” فقد قال : قال بعضهم: الشبهات تَنصرف على وجوه: فمنها شيٌء يعلمه المرءُ محرَّمًا ، ثم يشك فيه هل حَلَّ ذلك أم لا، فما كان من هذا النوع فهو على أصلِ تحريمه، لا يَحلُّ التقدُّم عليه إلا بيقين، مثل الصيد حرامٌ على المرء أكله قبل ذكاته، وإذا شَكَّ فى ذكاته لم يزل عن التحريم إلا بيقين الذكاة، والأصل فيه حديث عَدي بن حاتم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال له: “إذا أرسلتَ كَلبك فخالطه كَلبٌ لم تُسمِّ عليه فلا تأكل ؛ فإنك لا تدري أيهما قَتله”، وهذا أصلٌ لكل محرم أنه على تحريمه حتى يُعلم أنه قد صار حلالًا بيقين، ومن ذلك أن يكون للرجل أخٌ له ولا وارث له غيره، فتبلغه وفاته ولأخيه جارية، فهى محرمة عليه حتى يُوقن بوفاته، ويعلم أنها قد حَلَّت له. وكذلك لو أن شاتين ذكية وميتة سُلختا فلم يدر أيهما الذكية؛ كانتا مُحرمتين بقينٍ على أصل التحريم ، حتى يعلم الذكية من الميتة، ولا يحلُّ أن يأكل منهما واحدة بالتحرِّي؛ لأنهما كانتا مُحرمتين بيقين، فلا يجوز الانتقال من يقين التحريم إلى شكِّ الإباحة.
والوجه الثانى: أن يكون الشيٌء حلالًا فيشك فى تحريمه، فما كان من هذه الوجه فهو على الإباحة حتى نعلم تحريمه بيقين، كالرجل تكون له الزوجة فيشكُّ فى طلاقها، أو يكون له جارية فيشكُّ فى وقوع العتق عليها، فالأصل في هذا حديث ” عبد الله بن زيد” أن من شكَّ بالحَدث بعد أن أيقن بالطهارة فهو على يقين طهارته؛ لقوله عليه السلام: ” فلا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا ” .

والوجه الثالث: أن يُشكلَ الشىٌء فلا يُدرى أحرامٌ هو أو حلالٌ، ويحتمل الأمرين جميعًا ولا دلالة على أحد المعنيين، فالأحسنُ التنزُّه عنه كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم فى التمرة الساقطة” .

فليت الجديع تأمَّل قول هذا الإمام وأعمَله على أقلِّ أحواله . فالسلامة لا يعدلها شيٌ .

7-في مَسائل العُرف قال ما نصُّه : ” وفي هذا إبطال لمسالك كثيرٍ من أهل زماننا ، ممن يلجأ إلى فتاوى ناسبت ظرفاً وحالاً ليس بظرفنا وحالنا ،يُريد أن يجعل تلك الفتاوى كأحكام الله الثابتة ” . قلتُ : هذا الكلام فيه غمز بعلماء العصر أو بعضهم ، وهو مُجمل ، فإن قصد منه أن أحكام الحنابلة ومن سار مسيرهم من القائلين بالمحافظة على أصول الشريعة فيهم تنطُّع وتشدُّد ، فهذا قدح وتدليس لا يليق بالجديع ، بل قد يأثم عليه ، وإن قصد أن فتاوى الحنابلة ومن سار سِيرتهم فيها عدم مراعاة لظروف الحياة المعاصرة ، فهذا يُنظر إليه بحسب الواقعة ، فلا يجوز إطلاق لفظة ( أهل زماننا ) إلا بقيد حتى تنتفي التُّهمة أو ترتفع .

8-قال عند مسألة : هل العام حُجةٌ بنفسه ؟ : ” أكثر أدلة الفقه ظنيةٌ الدلالة ” وقد كرَّر هذا التقعيد في ثلاثة مواضع من الكتاب ، في الصفحات ( 245و257و 345- الطبعة الثامنة – دار الريان ) .
قلتُ : كلامه هُنا ، وفي آخر الكتاب مُضطرب ومُوهِم ،وقد يتعلَّق به من يُوافق المُتكلِّمين القائلين إن أدلة الفقه لا تُفيد اليقين ، وهو قول خطير وباطل ، وهذا القول من مُخلَّفات الرازي (ت: 606هـ ) والإيجي (ت: 756هـ ) التي فرح بها المُعاصرون . لكن لا أظن الجديع يُشير إليه ، لكن خانته العبارة فيما يبدو . وأما إن كان يقصد أن دلالة العام على أفراده ظنية فهذا فيه خِلافٌ بين الأصولييِّن . ومن المؤسف أن الجديع لم يُنبِّه على وجوب اعتقاد العموم والعمل به من غير توقُّف على البحث عن مُخصِّص ، ووجوب العمل بدليل التخصيص إذا ظهر ، ووجوب العمل باللفظ العام بعد التخصيص ، فليُحرَّر في موضعه من الكتاب ، وقد نبَّه على هذه المسألة المُحقِّقون الأُصوليون .

9-عند مسألة التخصيص بالسبب قال ما نصُّه : ” ذهبَ بعضُ الحنابلة للتخصيص أحياناً بالسبب الذي ورد عليه النص بما يُسمُّونه : التخصيص بالأعيان ، والجمهور على خِلاف هذا الرأي ” . قلتُ : التخصيص بالسبب ليس من مفردات الحنابلة في الأصول ، بل قال به كثيرٌ من الُأصوليين كالمالكية وبعض الشافعية وبعض الحنابلة وغيرهم. والجديع أشار إلى مسألة التخصيص بالسبب، وقضايا الأعيان . وقد نبَّه الزركشي(ت: 794هـ ) رحمه الله تعالى على المسألتين في كتابه المحيط ، فلتُراجع. والمسألة خِلافية وطويلة ، فلا يجوز إخراج الحنابلة من الراجح فيها . فلو قال : رجَّحَ بعضُ الأئمة ، أو رجح كثيرٌ من الأصوليين لكان المعنى مستقيماً ولا غُبار عليه .

والخلاصة أن الصحابةُ رضي الله عنهم رجعوا إلى التمسُّك بقضايا الأعيان: كقضيَّةِ ماعز، ودِيَةِ الجنين، والمفوَّضة، والسكنى للمبتوتة، وغيرها من وقائعِ الأعيان الخاصةِ بالواحد أو بالجماعة المخصوصة؛ فقَد ثَبت عنهم رضي الله عنهم استدلالُهُم بها على ثبوتِ ذلك لسائر الأُمَّة؛ فكان عمل الصحابة رضي الله عنهم بالنصوص الشرعية القاضية بعموم الرسالة دليلًا على استواء الأُمَّة في الأحكام الشرعية؛ فيدخل المخاطَبُ وغيرُه في عمومها . والله أعلم .

10- في مبحث الإجتهاد أشار الجديع إلى مسألة إثبات صفة العين لله تعالى ، وجزم بأن إثبات العينيين لله تعالى لا دليل عليه !، وأن الواجب إثبات كمال البصر من غير زيادة . قلت : ورد في القرآن العين المفردة مضافة إلى الضمير المفرد، والأعين المجموعة مضاف إلى ضمير الجمع، وذِّكر العين مفردة لا يدلُّ على أنها عينٌ واحدةٌ ليس إلا. كما يقولُ القائلُ: افعل هذا على عيني ، وأجيئكُ على عيني ، وأحمله على عيني ، ولا يُريد به أن له عيناً واحدة ! ، فلو فهم أحدٌ هذا من ظاهر كلام المخلوق ، لعُدَّ أخرقاً ، كما هو ظاهر كلام السلف .

فالراجح إثبات العينيين لله تعالى ، لقوله سبحانه : ” واصبر لِحُكم ربِّك فإنك بأعيُننِا ” (الطور: 48) ولقوله : ” تجري بأعيُننِا “( القمر:14 ) وقد استدلَّ بهذه الآية الإمام الشافعي (ت: 241هـ( رحمه الله تعالى على إثبات العينيين لله تعالى ، كما نقله عنه البرزنجي (ت:1103 هـ)رحمه الله تعالى في كتاب عقيدة الشافعي . وهو إعتقاد أهل السنة والجماعة ، كما نقله عثمان الدارمي (ت: 280هـ ) وأبو الحسن الأشعري (ت: 324هـ )وابن قيم الجوزية (ت: 751هـ ) في الصواعق المرسلة، رحمهم الله تعالى. وقد قال بعضُ السلف : هل يُفهم من قول الدَّاعي: اللهم احرسنا بعينك التي لا تَنام . أنها عينٌ واحدة ليس إلَّا ، ( إلا ) ذهن أقلف وقلب أغلف ؟ !

وكان العلماء قديماً على هذه الطريقة في الإفراد والجمع ، فقد قيل لإبراهيم بن أدهم (ت: 162هـ) رحمه الله تعالى : هذا السَّبع ! ، فنادى يا قَسورة إن كُنتَ أُمرتَ فينا بشيٍء وإلا -يعني- فاذهب، فضرب بذنبه وولَّى مُدبِرا ، فنظر إبراهيم إلى أصحابه وقال : قولوا: اللهم احرسنا بعينك التي لا تَنام ، واكنفنا بكنفك الذي لا يُرام ، وارحمنا بِقُدرتك علينا ، ولا نَهلك وأنت الرجاء .

وللتنبيه فإن هذه المُشاغبة العلمية من الجديع قديمة ، فقد أثارها سامحه الله مع العلامة ابن عثيمين (ت: 1421هـ )رحمه الله تعالى ، قبل خمسٍ وعشرين سنة تقريباً ، وقد ضمَّنها في كتابه “التيسير في أصول الفقه ” في طبعته الأولى سنة 1418هجرية . ثم كرَّر ذلك الجَدل في الطبعات السبعِ التالية لكتابه التيسير . والله الهادي .

هذا ما تيسَّر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
1438/5/15