تطهّرت تونس من رجزها بعد أن عانت من التغريب والتحرّر والعلمنة ردحاً من الزمن . كانت تونس الخضراء قبل مئات السنين واحة يانعة بالعلم والتاريخ والحضارة . ففي جامع الزيتونة وهو أول جامعة في العالم الإسلامي، تخرّج الآف العلماء في جميع فنون العلم كـ “أسد بن االفرات” ( ت : 213ه ) والإمام ” ابن سحنون” ( ت: 256ه ) ، و”محمد بن عرفة” ( ت : 803 ه ) ، ، و” ابن باديس”( ت : 1359ه ) و”محمد الخضر حسين ” (ت : 1377ه )، و “محمد الطاهر بن عاشور” ( ت: 1393ه) ، وغيرهم من أئمة العلم .
ظهرت السلفية في تونس بعد الفتح الإسلامي على يد “عقبة بن نافع الفهري ”
( ت: 63ه ) ثم ضعفت على مراحل طويلة لعدة أسباب ، منها : شرخ التشيّع الذي أوغل في بلاد المغرب فترة طويلة منذ عهد الدولة الفاطمية ، ثم ترجمة كتب الفلسفة التي أبهرت أهل المغرب وأنستهم تراثهم ومجدهم ، وزوايا الصوفية التي فشت وانتشرت في المدن والأرياف التونسية ، إضافة إلى المدّ الاستعماري الذي كان نقمة على بعض الدول العربية ، وقد رزحت تونس سبعين عاماً تحت الاستعمار الفرنسي ، ولما انحلّت ظفيرتها وتنفس أهلها الصعداء ،إنبرى لها أئمة الظلم والفساد وصيّروها دولة اوروبية ، فمنع الأذان ، ونزع الحجاب ، وعطلت الشعائر ، وبات العفاف رذيلة ، وأصبح أهل الاستقامة مصفّدين كزمام الناقة !! .
انطمست معالم الشريعة الإسلامية في بلاد القيروان وبليت من قلوب الناس ، وشاع الفسق والمجون إلا على ثلة قليلة هاجرت بدينها أو لزمت بيوتها ، خضوعاً وخنوعاً لواقعهم .
لم يكن لأهل السنة والجماعة ضجيج في ظل العزلة التي قيّدهم فيها النظام التونسي ، فظهرت بعض الفرق المبتدعة التي وجدت فسحة لبثّ دعوتها ، ومنهم : “الإباضية” الذين يلقبون أنفسهم بـ “أهل الحق والاستقامة” وهم أهل ضلال واعوجاج ، يعطّلون الله عن صفاته ، ويعطلون الحدود ، وينكرون رؤية أهل الجنة لربهم تعالى ، ويدّعون أن القرآن مخلوق ، وغيرها من المخالفات .
ومن التيارات الإسلامية في تونس : ما يعرف بـ “حزب النهضة ” وهو فرع لجماعة الاخوان المسلمين ، ولهم حضور قوي وشعبية عريضة في المجتمع التونسي ، وقد فاز هذا الحزب في انتخابات المجلس التأسيسي بحصوله على (90) مقعداً .
ويؤخذ على هذا الحزب بعض المخالفات الشرعية ، والكلام على جماعة الاخوان المسلمين ينطبق عليهم ، والمتابع لأنشطة هذا الحزب يتيقّن أنهم يسعون إلى أسلمة العلمانية ، ونبذ تطبيق الشريعة الإسلامية ، بدعوى الانفتاح على الأحزاب السياسية المختلفة .
وهناك تيارات فكرية وسياسية يعجّ بها الوسط التونسي ، كالليبرالية واليسارية والقومية والشيوعية الماركسية . وقد بلغ عدد الأحزاب التونسية المتصارعة على السلطة (114 ) حزباً . ومن فضل الله تعالى على أهل السنة والجماعة في تونس الذين يعرفون بـ “جبهة الإصلاح السلفي” أن الحكومة التونسية الحالية منحتهم ترخيصاً لمزاولة أنشطتهم في الدعوة إلى الله تعالى ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ونشر الكتب الإسلامية التي تعنى بالعقيدة الصحيحة.
ومما يؤسف له أن صوت التيار السلفي في بلاد القيروان خافت لا يكاد يسمع ، ولا يعرف لهم اعلام يقرر رسالتهم ويوضح ومنهجهم ، والقيادات السلفية ليست ثابتة على منهجية واحدة . وهذه ثغرة اذا اهتبلها الحساد والخصوم كفيلة بوأد رسالتهم .
إنّ مما يقوي التيار السلفي في معركته في تونس الآن هو : المساندة المعنوية والمادية عبر القنوات الرسمية ، وعقد الدورات الشرعية في مساجدهم ، وزيارة العلماء والدعاة لمؤسساتهم الدعوية ، وبذل النصح لهم . والمأمول من دور النشر الإسلامية أن تساهم في تصدير المطبوعات الشرعية المهمة لهم ، وهذا والله من أعظم أبواب الجهاد ، وقد ثبت عن رسول الله أنه قال : ” إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر في الجنة : صانعه يحتسب في صنعته الخير، والرامي به ، ومنبله ” أخرجه أصحاب السنن بإسناد حسن . وبالله التوفيق وعليه التكلان .
ا/ أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
عضو هيئة التدريس بقوات الأمن الخاصة .