العلَّامة محمد الخضر حسين (1293 هـ – 1377 هـ )، من أعلام تونس ، أصله من الجزائر . أديب ، باحث ، له نظم ، من أعضاء المجمعين العربيين بدمشق والقاهرة. وممن تولَّوا مشيخة الأزهر ، ولد في نفطه ( من بلاد تونس ) وتخرَّج بجامع الزيتونه ودرَّس فيه ، وأنشأ مجلة ( السعادة العظمى ) سنة 1321 هـ . وولي قضاء ( بنزرت ) في تونس سنة 1323 هـ ثم عاد الى التدريس بالزيتونة سنه 1324 هـ . حكم عليه الاستعمار الفرنسي بالاعدام فهاجر يسيح في الأرض .

رحل إلى الجزائر والشام والقاهرة والاستانة وبرلين . أنشا جمعية الهداية الاسلامية وتولى رئاستها وتحرير مجلتها . عُيَّن شيخا للأزهر بترشيح من علمائه أواخر سنة 1371 هـ واستقال منه سنة 1373 هـ بعد زلات وطوامّ حدثت في الأحكام الأزهرية ، ليس له يد فيها . وتوفى بالقاهرة .

كانت بينه وبين الشيخ محمد رشيد رضا ردود ومناقشات عنيفة ، تدخل الأزهر لوقفها . من أشهر مؤلفاته : ( نقض كتاب الاسلام وأصول الحكم ) و(طائفة القاديانية ) و ( نقض كتاب في الشعر الجاهلي ) و (الرحلات ) و( رسائل الاصلاح ) . وقد جُمعت أعماله كاملة في خمسة عشر مجلدا ، صدرت عن دار النوادر . وفيها من النفائس والفوائد ما لا يستغني عنها طالب علم . وقد كثر اللغط حول عقيدته ومنهجه في التلقِّي ، فأحببتُ أن اُحرِّر بعض ما تحصَّل لي عن بعض المسائل المشار اليها، والله المستعان .

*معالم عقيدته وكشف الشبهات حولها :
1-كان في أول أمره أشعريا ،على عقيدة الأشاعرة ، بحكم البيئة التي عاش فيها ، مثله مثل كثير من أهل المغرب .وفي كتابه محاضرات اسلامية إشارات الى ذلك . لكنه لم يكن داعيا الى هذه العقيدة .

2- في بعض كتاباته القديمة رائحة تصوف، كتبجيله لابن عربي (ت:638هـ) الصوفي ، كما في ثنايا كتابه الرحلات . والأغلب على الظن أنه تراجع عن تزكية أعلام التصوف و تعظيمهم، والدليل تكفيره لابن عربي وطعنه في عقيدته وعقيدة أتباعه كما في كتابه : المحاضرات .
وقيل إنه كان ينتمي الى عائلة صوفية من جهة الأم ، على الطريقة الرحمانية . وقد أشار إلى هذه الشبهة بعض صوفية العصر. وتُدفع هذه الشبهة بتقريراته في مؤلفاته التي أبطل فيها مصطلحات الصوفية وردَّ على أباطيلهم . كما في كتابيه المحاضرات ، ورسائل الاصلاح .

3- له ردود على الاتجاهات التغريبية والتنويرية في مصر وتونس ومن سار في فلك الاستعمار . ويتضح ذلك في كتابيه : نقض كتاب الاسلام واُصول الحكم ، و نقض كتاب في الشعر الجاهلي . وقد انتصر في هذين الكتابين لعقيدة السلف وحماية جناب التوحيد الخالص والذود عن لغة العرب .
4- كان عضوا في هيئة كبار العلماء واختير شيخا للأزهر بالأغلبية ، وترأس مجلة نور الاسلام وهي مجلة تصدر عن جامعة الازهر . وله فيها كتابات على منهج أهل السنة والجماعة . وقد عُزل عنها بعد أربع سنوات بسبب تضييق أهل البدع على دعوته .

5- له تعليقات نفيسة على جادَّة أهل السنة والجماعة ضَّمنها حواشي كتاب الموافقات للشاطبي (ت: 790هـ ) رحمه الله تعالى .

6-رحلته إلى بلاد المشرق بعد أن نفاه الاستعمار ، كانت سببا في استقامة منهجه وعقيدته ومعرفته لعلماء أهل السنة والجماعة ، وقد ثبت على ذلك المسلك حتى لبَّى نداء ربه .

7-للعلامة محمد الخضر حسين تأصيلات شرعية ضمَّنها كتابه الشهير : رسائل الاصلاح . وفيها من البلاغة ما يعجز القلم عن الاشارة الى سموها ورقي معانيها .

8- من الشبهات التي ُروِّجت في الطعن في عقيدة الخضر حسين ما قيل إنه أفسح مجال مجلة الأزهر التي كان يرئسُها ، لقلم الشيخ يوسف الدجوي (ت: 1365هـ ) عامله الله بعدله ، الذي كان يرقم مقالات في الطعن في عقيدة التوحيد والرد على أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب ( ت: 1206هـ )رحمه الله تعالى ، ولمز العقيدة السلفية . وقد راجعتُ الأعداد التي كتب فيها الدجوي مقالاته عندما كان الخِضر رئيسا للمجلة فلم أقف على مقالة واحدة نُشرت وفيها طعن في عقيدة التوحيد أو لمز عقيدة السلف . وما نُشر للدجوي إبان رئاسة الشيخ للمجلة : إما مقالات في الإيمان والرد على منكري البعث ، أو فتاوى فقهية ، أو موضوعات عامة لا علاقة لها بالسلفية .

9- الشيخ محمد الخضر حسين كان تونسيا ثم رحل الى مصر وحصل على الجنسية المصرية ، وكانت العيون ترقبه وتلحظه، وهناك في مصر من يتابع سكناته وحركاته . وقد أُخرج من بلده شريدا طريدا . وأجزم إن شاء الله أن الشيخ كان يداري بعض ما لا يستطيع تغييره أو الحديث عنه، مراعاة للمصالح التي ترجَّحت عنده .

10- مؤلفات الشيخ كلها الآن متداولة ومنشورة فلا يجوز الخوض في عقيدته بغير دليل بيِّن . والمواضع التي زلَّ فيها قلم الشيخ نعذره فيها ونأخذ بما غلب على الظن من أحواله في مؤلفاته التي اُنتفع بها وسارت بها الركبان .

11- إذا خفيت عقيدة الرجل من مؤلفاته ولم يتمكن الباحث من تلمس خبره ، فلا مناص من النظر في عقيدة ألصق الناس به من أقرانه وتلاميذه . وبالنظر إلى هذا الجانب ، فإن أحبَّ أقران الشيخ محمد الخضر حسين هو العلامة “أحمد تيمور باشا” ( ت: 1348هـ ) وقد أوصى الخِضر أن يُدفن بمقبرته التيمورية . وقد كان تيمور على عقيدة صالحة مستقيمة . ومن أقرانه المحدِّث السلفي” أحمد محمد شاكر” (ت: 1377هـ ) ، و”محب الدين الخطيب” ( ت: 1389هـ ) البحاثة السلفي، ومن تلاميذه علامة الشام “محمد بهجت البيطار”( ت : 1396هـ ) وقد كان على جادَّة السلف رحمهم الله جميعا ورضي عنهم .

12-الخطوط العريضة للأعمال الكاملة للشيخ محمد الخضر حسين، فيها إضاءات نيِّرة في الثناء على أهل الحديث وإثبات صفات الله تعالى كما جاء بها الوحي ، وفيها دعوة إلى التمسك بالسنة والتشبُّث بالدليل .وهذه منقبة تكاد تكون غريبة في تلك الحقبة قبل ستين عاما . والله أعلم ، والحمد لله رب العالمين .


المصادر :

1-معجم المطبوعات / يوسف سركيس / ص / 1652 .

2- معجم المؤلفين/ لعمر كحاله / 3/273-374 وفيه أنه ولد في( قفصة )والظاهر أنها تحريف صوابه ما أثبته أعلاه .

3-الأعلام/ للزركلي 6/113 .

4- محمد الخضر حسين / محمد مواعده / ص 22/ وفيه : أن المترجم عُرف بـ ( محمد الخضرحسين ) واسمه الاصلي ( محمد الاخضر بن الحسين) .

5- مجله اللغة بدمشق 36-148*149 .

6- المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ محمد الخضر حسين / طبعة دار النوادر .

7- محاضرات إسلامية / محمد الخضر حسين /ص 70- وما بعدها .

8- الشريعة الإسلامية / محمد الخضر حسين / ص274- وما بعدها .

9- الرحلات/ محمد الخضر حسين / ص 60- وما بعدها. وفيه تحريرات مفيدة عن مشاهداته :في ليبيا ،والجزائر،ومالطه، والاسكندرية ،والقاهرة ،وبور سعيد ،ويافا ،وحيفا،ودمشق، وبيروت ،واستنبول، والحجاز، وألبانيا، وبلاد البلقان ،والاستانة، وألمانيا.

10- جريدة الشرق الأوسط / العدد 12026 بتاريخ 4/12/1432هـ وفيه : أن كتاب الاسلام واصول الحكم الذي ردَّ عليه الخضر حسين اُعيد طباعته ثلاث مرات قبل سنتين ، بعد أن منع الأزهر تداوله ، وحاكم مؤلفه، وسحب شهادة العالمية منه .