ثمة بعض المنتسبين للعلم من القدامى والمعاصرين ممن يكاد البرق يخطف أبصارهم تفَّننوا في سفسطة الفتاوى ومراجعة مصنفات العلماء بدعوى التجديد والتقريب والبحث عن أجوبة أسئلة الثورات بأنواعها ، وتخليصها من مثالب العصر ونقائص النوازل المدنية .
لقد شاء الله تعالى أن يتصدر بعض الناس من المتفقهين والمتشدقين ابتلاءاً من الباري لخلقه ليحملوا الناس على فتاوى شاذة وغريبة ، كلما نخس الناس برهة ظهرت فتاوى وتقريرات تجعل الحليم حيراناً ، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً .
لقد شاع واستفاض عند العلماء كما صرح به الإمام الشاطبي (ت : 790 هـ) في فتاويه : ضرورة السير على القول الراجح أو القول المشهور المعمول به ، وضرورة العمل بسد الذرائع التي تفضي إلى الطعن في علماء وأعلام الإسلام ، والتقريب بين أهل الإسلام وغيرهم من المنادين بالحرية والمساواة ، وبعضهم ممن يطعن في الحنيفية صباح مساء !! .
يحسب بعض أهل القلوب الرقيقة من بني جلدتنا أن التجديد والتيسير هو مجاراة أهواء الناس والأخذ بالأقوال الشاذة والضعيفة التي يفرح بها أعداء الملة ممن يتظاهرون بعقيدتنا وهم أبعد الناس عنها ، طمعاً في التفلت من هيمنة النصوص الشرعية ، وتحطيم هيبة العقيدة الإسلامية في قلوب العامة والخاصة .
مما يؤسف له اليوم أن بعض شبابنا تقاطروا على متابعة من يوهم عقولهم أن التقدم الذي ينتظره الأجيال هو في العبث بتراثنا القديم ونقد أعلامه ورموزه ومناهجه مما يتردد صداه الآن في بعض وسائل الإعلام التي أمرضت الأمة وروَّضت شيوخها للترخص في حمل الناس على غير ما ألفوه . ونسي بعضهم أن العالم إذا أخطأ قول ” لا أدري أصيبت مقاتله !! .
أين تلامذة الإمام مالك رحمه الله الذين كانوا ينقلون عنه أنه تعرض عليه عشرات المسائل في المجلس الواحد فيقول لا أدري ؟ ! أين هم ليشاهدوا جرأة بعض دعاتنا من المنتسبين للعلم والصحوة في تجسير العامة على العبث بمسائل الدين واستنهاض أهل الضلال للعطف على عرى العقيدة ونقض أصولها وتعطيل نصوصها ؟! .
يا بني قومي ألا تخشون قول الله تعالى : ” انما اتخذتم من دون الله اوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين ” ( العنكبوت : 25 ) .
لقد كان العامة يتعجبون ممن يسأل أهل العلم : ما حكم الترخص في سفر المعصية ؟ واليوم العامة يتعجبون ممن يرخص المعصية في قلوب الناس إما بدعوى التجديد والتقريب أو لتخليص الأحكام الشرعية من شوائب العصر بزعمهم والتخلص من الفقه البدوي الذي لا يناسب روح العصر كما يدندن بذلك أدعياء العلم .
إن الثبات على المنهج الصحيح في أيامنا هذه يقتضي منا عدم الأمن من مكر الله تعالى ، وأن لا نتحيز إلى الظالمين الذين قال الله سبحانه عنهم : ” أم لكم أيمان علينا بالغة الى يوم القيامة ان لكم لما تحكمون . سلهم أيهم بذلك زعيم ” ( القلم : 39- 40 ) .
ومن كان في قلبه مثقال ذرة من ورع فليلجأ إلى الله وليقصد العلماء الربانيين الذين يخشون الله في فتاويهم وآرائهم ، وقد وردعن السلف قديماً أن أهل العلم ثلاثة أصناف : صنف منهم يتعلمون للمراء والجهل ، وصنف منهم يتعلمون للاستطالة والختل ، ، وصنف منهم يتعلمون للفقه والعقل .
اللهم أجرنا من فتنة القول وفتنة العمل ، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين .
أ/ أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
عضو هيئة التدريس بقوات الأمن الخاصة