المتأمل لبلاغة القرآن الكريم في الاشارة الى الاستعداد والتشمير للحرب، لا ينقضي عجبه من براعة بيان الوحي وبديع ألفاظه . فقد جمع الله تعالى في هذه المسألة بين جزالة اللفظ وفقه المعنى ، وهذا لا يضطلع به أئمة الفصاحة ولو اجتمعوا له . وسأكتفي بمثالين قبل أن أدلف في صلب موضوعي . قول الله تعالى : “يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا ” ( النساء : 71 ) ، وقول الله سبحانه : ” وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ” ( الانفال : 60 ) .

 
قبل أيام نظمت بعض المؤسسات المدنية في لبنان حملة بعنوان : “دقّ الطناجر ضد طبول الحرب” ،والقصد منها التوجّس من رائحة البارود في “طرابلس” التي اشتّد فيه الصراع الطائفي الدموي الذي أشعله النظام السوري المجرم بايعاز من أسياده في طهران . تلك الحملة الشعبية تؤكد أن التعبئة للحرب ليست من خصائص الدول فحسب ، بل حتى الأفراد يتحتّم عليهم التأهب وكمال الجاهزية خشية مداهمة العدو وانفلات الأمور . 
 
إن اغراق الشعوب والمجتمعات باللهو والمجون والغفلة وترك الحزم والتشمير ومعالي الأمور: هو مقدمة الخسران والهزيمة وسبيل ممهد للذلة والحرمان من الظفر .
 
وهذا المعنى هو ما تشوّف إليه شاعر الحرب “نصر بن سيّار” ( ت: 131هـ ) الذي كان يتفرّس لسقوط الدولة الأموية حين انكبّت على الشهوات وأخلدت إلى الأماني ، حيث قال : أرى خلل الرماد وميض جمرٍ ويوشك أن يكون له ضرام
 
فــإن الـنـار بـالـعـودين تـذكـــى وإن الـحـرب أولـهـا كــلام
وقلت من التعجب ليت شعري أأيـقـاظ بـنـو أمـيـة أم نـيـام ؟! 
 
لقد أخفق بعضنا في الاستعداد الفردي للحروب والأزمات ، بينما برع غيرنا في التأهب وأخذ زمام المبادرة لأي طارئ ، فالرافضة اليوم في بعض البلاد العربية يدفنون الأسلحة والذخيرة في مزارعهم، وينشطون في تخزين التمور والحبوب والبقول في أماكن آمنة ،ويشترون الذهب بكميات كبيرة ، ونحن نستروح الدعة والطمأنينة ، بينما الذئاب تتربّص بنا !! . إن موت الضمائر عند بعض المسلمين سببه التعلق بالدنيا، والطمأنينة على دوام الحال ، والثقة بأعداء الدين ، وصدق الله إذ يقول : ” قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر” ( آل عمران : 118 ) ، والأعداء شتى ، لكن غايتهم واحدة .
 
فمن الذي وضع السم للرسول صلى الله عليه وسلم مما تسبب في قطع أبهره ؟! 
ومن الذي قتل الفاروق رضي الله عنه وهو ساجد بين يدي ربه؟!
 
ومن الذي جنّد فلوله لملاحقة الصالحين في دول المهجر وقتلهم شر قتله ؟! 
 
ومن الذي اغتصب النساء أمام ذويهن، وأخرج الأجنة من أرحامهن ؟! .
 
لقد أضحى العالم الإسلامي اليوم يستجدي الرحمة والعطف على ضحاياه من الشرق والغرب، بسبب عجزه عن وقف المجازر التي تسفك فيها دماء السنة في كثير من دول العالم . بل حتى الغرب الفاجر بات أشد صرامة من غيره من بني جلدتنا ، فها هو المجتمع الدولي يطالب بتطبيق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ، وقام بطرد سفراء النظام النصيري من دوله .
 
إن الاستعداد النفسي والبدني للأزمات في أيامنا هذه أصبح من أوجب الواجبات ، وهذا لا يحصل إلا بتغيير العادات ونمط المعيشة التي درج عليها الفرد في مراحل حياته ، فإن الأيام تتصّرم كل يوم بحدث جديد ، ولا يعلم الغيب إلا الله . وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يلاحظون أخبار الأقاليم وتغير أحوالها . ففي الصحاح والسنن في قصة اعتزال الرسول صلى الله عليه وسلم لنسائه ، كان رجل من الأنصار يتذاكر مع عمر رضي الله عنه ، فطرق عليه بابه بعد العشاء، فخرج عمر فزعاً ، فقال الأنصاري : حدث أمرٌ عظيم ، فقال عمر : وما ذاك أجاءت غسان ؟ . لقد كان الصحابة رضي الله عنهم يتوقعون غارات نصارى الشام الغساسنة ، ومنهم “جبلة بن الأيهم” ( ت : 20 هـ ) آخر من ملك من الغساسنة في بادية الشام . والمقصود أن التأهب الفردي للأزمات مما جاءت به الأدلة ورغبت فيه الفطر السليمة ، وقديما قيل : العاقل خصيم نفسه ، والجاهل من يبغته عدوه على غرّه . والله خير حافظا وهو أرحم الراحمين .
ا/ أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي 
عضو هيئة التدريس بقوات الامن الخاصة .