توقفنا في الدرس الفارط عِند سَرد جُزء من الأخطاء المِئة التي تقع عند دراسة المسائل الأُصولية ، وفي هذا الدرس نستكملُ ما يتيسر منها:

51-لا يصح تقديم العمل بالاستصحاب على غيره من الأدلة المجمع عليها ، وهي : الكتاب والسنة والإجماع والقياس. فلا يعمل بالإستصحاب إلا بعد انتفاء الأدلة لأنه أضعفها عند الإحتجاج.

52-لا يجوز تحميل الإستصحاب لمعاني لا يحتملها، لأنه قد يكون قطعياً وقد يكون ظنيا ً، بحسب تحقق الدليل الناقل أو انتفائه.

ولهذا لا يلجأ المفتي أو الباحث له إلا عند الضرورة.

53-استصحاب حُكم الإجماع في محلِّ النزاع لا يكون حجة في الغالب، لأنه يؤدِّي إلى تكافؤ الأدلة. ويمكن تطبيق أمثلتها على كل مسألة فقهية فيها نزاع بين العلماء، فيستصحب كل صاحب قول صحة أو بطلان عبادة الآخر بناءاً على استصحابه .

54-ليس كل استصحاب يكون صحيحاً .فالاستصحاب المعتبر هو استصحاب البرآءة الأصلية ، كاستصحاب أن محمدا صلى الله عليه وسلم آخر الرسل أو استصحاب انتفاء نبيِّ بعده. واستصحاب دليل الشرع سواء عموم النص أو العمل به ،واستصحاب حكم دلَّ الشرع على ثبوته.

55-لا يصح التمسك بالاستصحاب بدون حجة وبرهان مُحرَّر.

فسواء كان المثبت أو النافي متعلِّقا بالإستصحاب، فيلزمهما اقامة الدليل والحجة على دعواهما.مثال ذلك استصحاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتزوج امرأة قبل خديجة رضي الله عنها ، فيلزم إقامة الدليل على هذه الدعوى سواء عن طريق الخبر أو عن طريق إمعان النظر في كتب السِّير.

56-لا يجوز تقديم المصلحة الملغاة أو المصلحة الحاجية أو المصلحة التحسينية على المصلحة الضرورية المعتبرة شرعاً بالأدلة المتفق عليها، مثل تقديم مصلحة الربح في البيع على مصلحة حضور صلاة الجمعة بعد النداء الثاني ،أو تقديم مصلحة ستر العورة على مصلحة حفظ النفس من الهلاك أو التلف عند طبيب مؤتمن.

57-لا يُلتفت إلى المصلحة إذا كانت مصادمة لنص أو إجماع ، ولا يُعمل بها إذا كانت لا تتفق مع مقاصد الشريعة الإسلامية، وكذلك إذا ترتب على المصلحة مفسدة راجحة أو مساوية لها في المآل، مثل تعليم الرقص والموسيقى والطرب ونحوها من الملاهي التي لا غاية شرعية من ورائها.

58-يخلط بعضُ الباحثين بين معنى النسخ عند المتقدِّمين ومعناه عند المتأخِّرين.فعند المتقدِّمين هو تخصيص العام وتقييد المطلق وتبييِّن المجمل ورفع الحكم. ويطلق على الجميع البيان. أما عند المتأخِّرين فهو رفع الحكم الثابت بخطاب متقدِّم بخطاب متراخٍ عنه.

59-لا يصح تسمية النسخ تخصيصاً.ويختلف السخ عن التخصيص من وجوه ستة: النسخ إخراج ما أُريد باللفظ الدلالة عليه ويشترط فيه التراخي، والنسخ يدخل في الشي الكلي الواحد، والنسخ يكون بخطاب جديد، والنسخ يكون في الإنشاء وليس في الإخبار، والنسخ لا يبقي بعده دلالة على المنسوخ.

60-لا يصح أن يتحقق النسخ بنقل الإجماع .ومن نقل ذلك من العلماء فقصدهم مُستند الإجماع وهو النص.لأن الإجماع لا يتحقق إلا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ، وبعد وفاته لا يتحقق النسخ ، فلم يبق إلا النص .

61-لا يجوز النسخ بالقياس ولا بأدلة العقل ،لأن القياس من شرطه عدم وجود النص ، والنسخ في أصله بعكس ذلك ، فيتحقَّق بنص من كتاب أو سنة أو بإجماع. وأما بالعقل فهذا لا يكون إلا عند انتفاء الوحي.

62-لا يصح اشتراط أن يكون الناسخ أقوى من المنسوخ أو في مرتبته، بل يكفي أن يكون الناسخ وحياً صحيح الثبوت.مثل نسخ تغييِّر القبلة من بيت المقدس إلى مكة ،لقول الله تعالى : ” إلا لنعلمَ من يتبعُ الرسولَ” (البقرة: 143).

63-الإعتقاد بأن هناك تعارضاً بين الأدلة الشرعية والعقل اعتقاد باطل. لأن العقل الصريح موافق للنقل الصحيح.والله تعالى هو الذي خلق العقل وأنزل الوحي ويعلم حالهما ومرتبة كل منهما.

64-لا يقع التعارض بين دليليين قطعييِّن سواء كانا عقليين أو سمعيِّين ، أو أحدهم سمعي والآخر عقلي. لأن تعارض القطعيين يلزم منه اجتماع النقيضين وهو محال. ولا يقع التعارض بين قطعي وظني لأن الظن لغو ، والعمل لا يكون إلا بالقطعي والظن لا يرفع اليقين.

65-لا يجوز الإختيار لأحد الدليلين عند تعذر الترجيح بين دليليين ظنيين. بل الصحيح التوقف والبحث عن دليل جديد.

66-الترجيح بين الأدلة المتعارضة قبل الجمع بينها خطأ علميُّ ومنهجي. فالصواب محاولة الجمع ثم الترجيح بعد ذلك.ولا يجوز الترجيح بين دليلين متعارضين بدون دليل، لأن هذا من التشهِّي وهو باطل غير معتبر.

67-لا يجوز في باب الترجيح العمل بالظن الذي لا يُعلم رجحانه، لأن هذا من اتباع الظن ،وقد عاتب الله سبحانه من يتبع الظن الخالِ من العلم، كما في سورة يونس آية (36).

68-لا يجوز النظر إلى الأحكام الشرعية بمقياس الحكم العقلي والعادي ، فهناك فرقٌ بين الحكم العقلي والعادي والشرعي. مثال ذلك من يُرجِّح نصيب الميراث بالحكم العقلي من غير نظر في النص أو الخبر في المسألة. ومثله من يقيس أحوال الملائكة على المخلوقات التي يشاهدها في الدنيا.فهذه أحكام عادية وعقلية لا يتعلَّقُ بها حكم شرعي.

69-لا يصح النظر إلى الأحكام التكليفية الخمسة وهي :الإيجاب والندب والتحريم والكراهة والإباحة بنظرٍ متساوي .فطلب الترك يشمل المحرم والمكروه.وطلب الفعل يشمل الواجب والمندوب. والمباح لا يتعلق بفعله مدح ولا ذم.

70-لا يجوز إلحاق الأحكام بالألفاظ والأسماء، لأنها في النصوص ملحقة بالمعاني والحقائق.مثل لفظتي الواجب والفرض، فينظر إلى المعنى الملحق بهما ،فما ينطبق عليه فإنه يسمى إما فرضاً أو واجباً بحسب ما يستحقه كل منهما ، لأن المأمور في الشرع ليس على درجة واحدة.

71-يجب التفريق بين ما لا يتم الواجب إلا به ،وبين ما لا يتم الوجوب إلا به.مثال ذلك : الإستطاعة شرط في وجوب الحج ،ومُلك النِّصاب شرط في وجوب الزكاة. ووجوب الحج لا يتم الا بالاستطاعة ،ووجوب الزكاة لا يتم إلا بملك النصاب. ولا يجب على العبد تحصيل الاستطاعة ولا ملك النصاب.

فما لا يتم الواجب إلا به يتوقف عليه ايقاع الواجب ،وما لا يتم الوجوب إلا به يتوقف عليه وجوب الواجب.

72-لا يصح قول القائل: إن المباح مأمور به.لأن المباح قد يكون واجباً إذا كان الواجب لا يتم الا به ، وقد يكون مندوباً وقد يكون حراما بحسب تعلُّقه بغيره، وقد يبقى على أصله الذي جاء في النص.

73-الحكم الوضعي ليس مقتصراً على السبب والشرط والمانع والعِلة، فيمكن بيان حاله أيضاً بالصحة والفساد والقضاء والأداء والإعادة والرخصة والعزيمة، وأمثلتها واضحة وظاهرة في كتب الفقه والأصول.

74-لا يجوز متابعة المعتزلة في قولهم إن العقل يُدرك الحسن والقبح استقلالاً من نفسه، ولا يجوز متابعة الأشاعرة القائلين بنفي الحسن والقبح العقليين، وأهل السنة والجماعة بين هذين المذهبين.

75-مسألة مبدأُ اللغات وهل هي توقيفية أم لا؟، مسألة لا جدوى من ورائها ، ولا يرتبط بها عمل ولا عبادة ولا حُكم، فلا يجوز الخوض فيها وصرف الأوقات في الردِّ على من يُجادل في تقريرها على رأيٍ معين.

وللحديث بقية.

انتهى الدرس العاشر ويليه الدرس الحادي عشر ،إن شاء الله تعالى.

هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

 

1441/3/19