حكم التحدِّي بفكرة دلو الثلج

إراقة الماء البارد أو الثلج على الرأس للتضامن مع المرضى فكرةٌ غربيَّةٌ ظهرت قريباً لاستدرار عطف الناس للبذل والتضحية والمساهمة في التعريف بالفئات التي تُعاني الألم والكرب في بقاع الأرض   .

هذه الفكرة من حيث المبدأ وليس التأصيل أشار إليها عمرو بن العاص رضي الله عنه في قوله  عن الروم : ” إنهم لأحلم الناسِ عند فتنة ، وأجبر الناس عند مصيبة ، وخير الناس لمساكينهم وضعفائهم ” أخرجه مسلم  .

ابتكار الأساليب العلمية والتربوية واستحداث طرق طريفة للإحسان إلى الناس من محاسن الغرب رغم إسرافه في أمور أخرى تتعلَّق بالبشرية  . ولا تعدُّ هذه الفكرة دليلًا على صدقهم في البذل والعطف ، فعندهم من الظُّلم والإسراف الخُلقى ما يندى له الجبين  .

فكرة التواصل مع المجتمع والتأثير عليه باللعب فكرة ذكية وتربوية وقد بدأت قديماً بالغناء والرقص والتمثيل المسرحي واللعب بالدومينو.

وفي أمريكا مثلاً ظهرت فكرة التشويق في  بعض مقاعد الدراسة باللعب في الفصول بين المعلم والطلاب لكسر الروتين والملل الدراسي  .

وطريقتها أن يجعل المعلم مقاعد الطلاب على شكل دائرى ثم يبدأ الدرس ويشرع المعلم فى التمهيد لدرسه ، ثم يأخذ الكرة ويلقى بها على أحد الطلبة فيتلقَّفها الطالب ويبدأ يقرأ ثم ينتهى إلى حدِّ معين ، وحينها يُلقي المعلم الكرة لطالب آخر ، فيأتي عليه الدور فى القراءة والطلاب كلهم فى تشوُّق لكى يَرمي لهم المعلم الكرة ويأتى عليهم الدور !   .

هذا مثال بسيط على أن القريحة الغربية تعتني بتفاصيل ساذجة لكنها تؤدِّي إلى نتائج تربوية وعلمية لها ثمرات يانعة  تُعرف بالاستقراء .

لكن هذه الأفكار الغربية قد تصلح لقوم دون قوم وبلد دون بلد بلا تعميم  . فينطبق عليها قول الحبيب صلى الله عليه وسلم : ” ألقوها وما حولها وكلوا سَمنكم ” أخرجه البخاري   .

بعض المسلمين ينظر إلى هذه الأفكار – التي تُسمى في الغرب استراتيجية اللعب – نظرة دونية أو نظرة سخرية وتندُّر ، فكثيرون يطبقونها للتهكم والشهرة فحسب ، وليس لأهداف علمية وغايات تربوية كما يفعل الغرب خاصتهم وعامتهم  . وهذه من ثمار ضعف الوعي عندنا . كقول المثل : اشتر المسمار ولا تعمله  !  .


 ومن حيث التأصيل  فإن ظهور فكرة التربية باللعب أو بالمرح لا يصح منعها إطلاقاً ولا إباحتها إطلاقاً،  حتى تستقر على هيئة واحدة يمكن تعميمها بلا إخراج لها عن أصلها الذي وضعت من أجله  .

وعند الأصوليين أن المسائل المتشابهة يجب عدم قطع الجواب فيها بسبب فتنة الناس بالدنيا  .

و التشبه بالكفار  لا يصح منعه بإطلاق بل فيه تفصيل ، وقد يكون في المظهر والِّلباس والمأكل وغير ذلك لأنها كلمة عامة ، ومعناه أن يقوم الإنسان بشيء يختص به الكفار ، بحيث يدلُّ من رآه أنه من الكفار ،فهذا هو الممنوع . أما إذا كان الشيء قد شاع بين المسلمين والكفار فإن التشبه يجوز ، وإن كان أصله مأخوذاً من الكفار ، ما لم يكن محرماً لعينه كلباس الحرير مثلاً .

ويضاف إليه – في ضابط التشبه – أن يفعل الإنسان فعلًا لا يفعله إلا الكفار لا بمقتضى الإنسانية يفعله ،فيُخرج ما يفعله الكفار وغيرهم ، فإذا كان هذا الفعل يفعله الكفار وغيرهم ؛ فإنه لا يكون تشبهًا  .

والتشبه بالكفار في الأمور الدنيوية لا يباح إلا بشروط :
1-  أن لا يكون هذا من تقاليدهم وشعارهم التي يميّزون بها .
2-  وأن لا يكون ذلك الأمر من شرعهم ، ويثبت ذلك أنه من شرعهم بنقل موثوق به ، مثل أن يخبرنا الله تعالى في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم .

أو بنقل متواتر مثل سجدة التحية الجائزة في الأمم السابقة .
3- وأن لا يكون في شرعنا بيان خاص لذلك ، فأما إذا كان فيه بيان خاص بالموافقة أو المخالفة استغنى عن ذلك بما جاء في شرعنا .
4- وأن لا تؤدِّي هذه الموافقة إلى مخالفة أمرٍ من أمور الشريعة .
5- وأن لا تكون الموافقة في أعيادهم .
6- وأن تكون الموافقة بحسب الحاجة المطلوبة ولا تزيد عنها  .

 

والمقصود أن المسلمين يجب عليهم عدم التقليد لغيرهم من الأمم إلا فيما لهم فيه مصلحة راجحة لبلدانهم ويكون مأذوناً في دينهم وشرعهم ، وما سوى ذلك فعبث يجب التوقِّي منه لأن لكل شيءٍ آفة  .وقد وصف الشاعر هؤلاء المتبوعين بمثل حال البعض :

 

إن يعلموا الخير يُخفوه و إن علموا
شراً أذاعوا و إن لم يعلموا كذبوا
 

فلا يجب الإعتماد على كل ما يخرجه لنا الغرب بلا تهذيب ونقد .

 

أما ما يفعله بعض الشباب من وضع الرمل على الرأس حسرةً وحزناً على حال بلاد المسلمين فلا يليق بهدي المسلم ولا سمته ، وليس له أصل شرعي ، وهو ينافي العزة الإيمانية التي هي واجبة على من أطاع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم  . وهو يشبه النياحة ولطم الخدود المنهي عنها في الشرع  .

وقد يكون  الفعل حراماً لغيره  إذا قصد به التشبه والتأثر بالكافرين مجاراةً لهم في عبثهم ولهوهم  . وهذا يستدل عليه بقاعدة تخصيص العلة وهي قاعدة مشهورة عند الأصوليين أشار إليها ربنا في قوله : ” يُخربون بيوتهم بأيديهم ” ( الحشر : 2) 

 وبحديث أبي برزة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « مثل الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه ، مثل الفتيلة تضيء للناس وتحرق نفسها ”  صححه الألباني  . وهذا يدلُّ على منع عبارة : كن كالشمعة تُضيء للناس وتحرق نفسها . فيقال لأولئك : لا تضع الرمل على رأسك لتسعد غيرك  !  .

هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات   .

11/5/ 1435هـ