هذه المسألة نازلة فقهية خاصة بالإخوة من أهل السُّنة ، في دولة إيران ، نصرهم الله وفرَّج همهم .
وللمسألة تعلُّق كذلك بكل من يتعامل بالبيع والشراء والمداينة بالعملة الإيرانية : الريال أو ما يعرف بالتومان عند البعض ، على حدود إيران كالعراقيِّين والأتراك والأفغان وغيرهم .

وهذه الأيام كما هو معلوم ومشاهد بدأت العملة الإيرانية بالهبوط والكساد في السوق المحلي والعالمي ، بسبب التضخُّم وارتفاع الأسعار، وهذا لا يكاد يخفى على أحد وهو محلُّ عناية وقلق من أهل إيران على اختلاف أديانهم ومذاهبهم.

التكييِّف الفقهي للمسألة هنا هو ما يسمى بكساد الفلوس ، وكساد الفلوس المقصود به ترك التعامل بها أو عدم تلبيتها لحاجات الناس، إما لفقدان قيمتها في السُّوق أو لامتناع التعامل بها بأمر رئيس الدولة .
وهذه المسألة أصيلة عند الفقهاء وقد أشار إليها العلماء رحمهم الله قديماً ، كالزيلعي (ت: 743هـ)في ” تبيِّين الحقائق ” ، والحجَّاوي (ت: 968هـ) في ” الزاد ” ، والتمُرتاشي(ت: 1004هـ ) في ” بذل المجهود ” ، وصنَّف فيها ابن عابدين (ت: 1252هـ) كتابه المشهور ” تنبيه الرُّقود على مسائِل النُّقود “.

وللمسألة تعلُّق بأحكام فقهية مهمة كردِّ القرض وسدادِ الدَّين ونفاذ العقود ، أو بطلانها وصحة البيع أو فساده ونحوها من المعاملات.

والأصل في ردِّ القرض وسدادِ الدَّين أن يكون بنفس العملة التي اقترضها ، وإن تغيَّرت قِيمة العملة، لكن إن كان التغيُّر في قيمة العملة كثيراً وزائداً عن المعقول ، فإن هذا ضررٌ بيِّنٌ يجب رفعه بالسعي إلى الصلح العادل بين الطرفين، فإن لم يصطلحا فيُرفع ذلك الضرر بالتحكيم أو الُّلجوء إلى القضاء الإسلامي في المحاكم المُنصفة إن كانت نزيهة ، أو عند العلماء المعروفين بالفقه والعدل.

وإذا كان القرض من الأموال العينية من الذهب أو الفضة، أو السلع، فالواجب أن يردَّ مثلها مهما تغيرت الأسعار.

أما إن كان الدَّين من الأوراق النقدية، كالعملة الإيرانية اليوم ، فإن كان التغيُّر في قيمة العملة يسيراً، فالواجب أن ُيردَّ مثل العملة التي كان فيها القرض، فمن اقترض ألفاً فإنه يردها ألفاً،وهكذا، لأن هذا التغير اليسير من طبيعة العملات النقدية في السوق .

وأما إن كان التغيُّر في قيمة العملة الإيرانية كثيراً يبلغ الثلث فأكثر: ففي ردِّ المثل ضررٌ على صاحب المال، وإزالة هذا الضرر يكون بأحد أمرين :

أولاً : الصلح بينهما بتقدير الخسارة وتوزيعها على كل الطرفين بالتراضي.
ثانياً : تحكيم قاضٍ أو عالم يرتضيان حُكمه في تقدير الخسارة.

فيكون حكم العملة الإيرانية عند القرض بها أو سَداد الدَّين بها لا يخرج عن قولين : القول بوجوب ردِّ المثل مهما كان حجم التغيُّر في قيمة العملة، والآخر: القول بوجوب ردِّ القيمة من الذهب أو العملات الأخرى. وأقرب الأقوال في المسألة ــ والله أعلم ــ هو التفريق بين صورتين :

الأولى: إذا كان الغلاء والرخص في قيمة العملة الإيرانية يسيراً، بحيث لا يصل الانخفاض أو الغلاء إلى الثُّلث، ففي هذه الحال يكون الواجب: ردُّ المثل، فالغبن اليسير،أو الغلاء والرخص اليسير مُغتفر شرعاً، ولا تخلو منه المعاملات عموماً، ولما فيه من تحقيق أصلٍ تشريعي مهم وهو استقرار التعامل بين الناس.

الثانية: إذا كان التغيُّر في قيمة العملة الإيرانية يبلغ الثلث فأكثر، وتنازع الطرفان في طريقة السداد ولم يتراضيا، ففي هذه الحال يجب المصير إلى التصالح بين طرفي العقد، بحيث يتم تقدير الخسارة، ويتحمَّل كل طرف منهما جزءاً منها برضاهما، لأن هذا التغيُّر والضرر لا حيلة لواحدٍ منهما في وقوعه، بل هو أمر سماوي مقدَّر من الله.

كما أن الضرر متحقِّق في هذه الصورة على الطرفين، فالإلزام بدفع المثل فيه ضررٌ بين على الدائن، والإلزام بدفع القيمة فيه ضررٌ بيِّن على المدين، والعدل يقتضي ألَّا يخصَّ أحدهما بالضرر، بل يتوزع الضررُ عليهما بالصلح.

أما تحديد القدر المؤثِّر في تغيُّر قيمة العملة بالثلث؛ فلأن الثُّلث هو الحدُّ الفاصل بين الكثرة والقلة ، كما ثبت في العديد من النصوص الشرعية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الوصية: ” الثُّلث، والثلث كثير” . متفق عليه . فيدلُّ هذا على أنه آخرُ حدِّ الكثرة، فلهذا قُدِّر به.

وهنا تنبيه مهم جداً وهو أن بعض الناس في إيران يُقرضون بالريال الإيراني ، على أن يكون السدادُ بالذهب ، وهذه المعاملة مشارطة لا تجوز ، وهي الإحتياط للقرض لحماية العملة ، لأنها غررٌ وغبنٌ للمقترض ، فالذهب يختلف سعره في كل ساعة .

وقد جاء في قرار للمجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي : “العبرة في وفاء الدُّيون الثابتة بعملة ما، هي بالمثل وليس بالقيمة ، لأن الدُّيون تُقضى بأمثالها، فلا يجوز ربط الدُّيون الثابتة في الذمة أياَ كان مصدرها، بمستوى الأسعار” . والله أعلم .

أما من ناحية التعامل بالدولار فهذا متروكٌ لِطاقة الناس ، فمن يَقدر على ذلك فهو الأفضل ، ومن لا يَقدر عليه فليتعامل بالريال الإيراني بحذرٍ شديد لا سِّيما في القروض وسَداد الديون ، مع الحرص على الإدخار والقصد في النفقة .

فالخلاصة أن البيع والشراء بالعملة الإيرانية صحيح ، ما لم تلُغ أو تزل ، وأما إبرام العقود بها لسداد الديون أو للحصول على القروض فهو محلُّ اضطراب وريبة ، لأن الضرر المتعدِّي بواسطتها قد يغلب النفع القاصر ، والأكمل تحويلها لعملة مستقرة .

وقد قامت الحكومة الإيرانية المجرمة قبل أيام بتضيِّيق الصرف بالدولار وأغلقت كثيراً من المصارف خوفاً من تدهور العملة الإيرانية وتهميشها من التجار ، بسبب قِلَّة الطلب عليها من المستثمرين .
والواجب على أهل السُّنة والجماعة في إيران الإعتصام بالله تعالى وتوحيد صفِّهم وتقوية مذهبهم بعدم الفرقة ، وإدِّخار العملة المستقرة الآمنة والحرص على شراء الأصول الثابتة ، لكي يستطيعوا الدِّفاع عن أنفسهم ودينهم وأموالهم وأعراضهم .

هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
1439/7/25