الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.. وبعد :
فقد وردتني رسائل عِدة من بعض طلبة العلم من نيجيريا ، وقد أفادوا فيها بطلب الجواب على بعض الشُّبهات التي ذاعت وانتشرت من بعض المتعالمين وتناقلها العوام وروَّجوا لها.
وهي أن السُّنة الإفطار في رمضان والشمس طالعة !، وقد استدل أولئك المتعالمون بحديث عبد الله بن أبي أوفى كما في المصَّنف ( 4/226)وبثلاثة آثار عن الصحابة : ابن مسعود وأنس وأبي سعيد رضي الله عنهم أجمعين .
والجواب من خمسة وجوه :
الأول : حديث ابن أبي أوفى رضي الله عنه ، حديث عام والعام عند الأصوليين يجب تخصيصه .
وهذا العموم خصَّصه الإجماع بالدليل القطعي الذي لا يحتمل التأويل ، وقد قال الله تعالى : “ثم أتمُّوا الصيام إلى الليل “(البقرة : 187). والصوم ينتهي باقبال الليل وادبار النهار ، لحديث : ” إذا أقبل الليلُ من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا فقد أفطر الصائم ” متفق عليه .
فقد بيَّن الرسولُ صلى الله عليه وسلم الحكم الوضعي هنا وهو : اقبال الليل وادبار النهار ، أي أن الله تعالى رتَّب فعل الشرط على حصول سببه، وهو منصوص عليه في الحديث المتقدِّم .
الثاني : هل يقول عاقل : إن وجود الشمس دليل على اقبال الليل وادبار النهار ؟!. من قال بهذا فقد استدرك على رسول الله صلى الله عليه وسلم وخالف الشرع والعقل .
الثالث : فعل الصحابة رضي الله عنهم – الفِطر عند الغروب – الوارد عنهم في بعض المسانيد والروايات ، محمول على غلبة الظن، وليس معناه الإفطار قبل الغروب ! .
فهم يقصدون بفعلهم هذا أن بقاء النور القوي بعد الغروب لا يضر، لأن المغيب قد تحقَّق ، فمتى غاب قرص الشمس جاز الفطر ، لأن الليل أقبل والنهار قد أدبر ،وهذا حكم وضعي وقع بحصول أثره كما في الحديث المرفوع : ” لا يزالُ الناس بخير ما عجَّلوا الفطر ” متفق عليه .
الرابع : سببُ الخلاف بين بعض أهل العلم في هذه المسألة في الغالب ، هو مكان الصائمين وقربهم وبعدهم عن مكان الشمس .
فلو أن رجلينِ مثلاً أحدُهما على
رأس جبل عالٍ والآخر أسفله ، فإن السُّنة والصواب أن الثاني يفطر قبل الأول إن رأى غروب الشمس ،أما الأول فلا يفطر حتى ينتظر ويتحقَّق من غروبها .
فكل أُناس لهم حكمهم بحسب مكانهم وارتفاعهم أو انخفاضهم عن الأرض . ويمكن مراجعة هذه المسألة في فتاوى ابن تيمية (17/25)وحاشية ابن عابدين (2/420) .رحم الله الجميع .
الخامس : الواجب عند اختلاف العلماء في مسألة من مسائل الشرع ، طلب الدليل من الكتاب والسنة والإجماع والقياس على الأصول منها. فإذا استوت الأدلة وجب الميل مع الأشبه ، فإذا تبيَّن ذلك وجب التوقف ولم يجز القطع إلا بيقين. فإذا اضطر أحدٌ إلى استعمال شيٍ من ذلك في خاصة نفسه جاز له ما يجوز للعامة من التقليد ، لكن لا يجوز له الزام غيره بالحكم الذي فهمه إلا بعد أن يبيَّن مناطه وحجته فيه لغيره ، فيعقله ليسهل العمل به .
وختاماً فإنه لا يجوز الولاء والبراء على قول أو مذهب ، إلا للمذهب الحق من الكتاب والسنة الذي تبيَّن وترجَّح بالأدلة الظاهرة التي لا لبس فيها .
هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
1440/11/10