في الدرس الثاني تناولتُ بشي ٍمن التفصيل مسألة تصور المسائل في الزاد ، وأشرتُ إلى ضرورة ترتيب المسائل في الذِّهن كما نبَّه عليها الغزالي (ت: 505هـ)رحمه الله تعالى ، وأردفتُ ذلك بطرق تصور المسائل مع التمثيل والمدارسة لكثير من الأحكام الفقهية على حسب ما يقتضيه المقام .

(د) : تحرير محلِّ النِّزاع :
بعد تصوُّر جميع المسائل في الزاد ندلف إلى تحرير محل النِّزاع .
المقصود بتحرير محلِّ النِّزاع : بيان سبب الخِلاف وتعيِّين المتفق عليه والمختلف فيه ، ثم تلخيص الجواب المناسب.
والغاية من تحرير محل النِّزاع : معرفة مقاصد الحكم والزام الخصم بمناط الصواب في المسألة ، وتجنب الاستطراد فيما لا صِّلة له بأصل البحث.

وليس المقصود هو غلبة الخصم أو الطرف الآخر ، إنما المقصود تقوية الدُّربة على كيفية المقارنة بين الأدلة ومعرفة مناط الحكم فيها واستخراج الأقوى والأحكم على حسب قواعد الشريعة ، وهذا لا يأتي دفعة واحدة إنما يأتي مع الأيام والليالي .

طُّرق تحرير محلِّ النِّزاع كثيرة منها : استقراء نوع الخِلاف هل هو لفظي أم معنوي ؟ ، توضيح المصطلحات المختلف فيها ، بيان الدليل ونوعه وقوته وتخريجه . ويمكن مطالعة كتب أصول الفقه للتوسُّع في ذلك .

وتحرير محل النِّزاع مهم ، لأن به يمكن معرفة الحجج الشرعية ودفع الشُّبه وقوادح الأدلة ومعرفة البراهين .

فالخلاف عند التأمُّل ضيق يفضي إلى سعة ، وفيه تربية للنفس على بذل الإخلاص والعلم ومعرفة أقدار العلماء ومناقبهم.

وهنا يجب التوضيح والتنوير أن التحرير معناه زيادة البحث وتقليب الحجة ومراجعة الجواب قبل الحكم ، ومحاولة فهم عبارات العلماء في استنباطاتهم وتخريجاتهم .

فحروف مثل : لو ، حتى ، إن ، ترد كثيراً في الزاد ، ويُقصد بها أن في المسألة خلاف يجب مراعاته . فلو للخلاف القوي ، وحتى للخلاف المتوسط ، وإن للخلاف الضعيف .
فمن طالع في الزاد لاحظ هذا كثيراً في مسائله :

كقول الحجاوي رحمه الله تعالى : ” وتعجيلها أفضل ، ولو صلَّى وحده ” ، ” ويحرم تطوع بغيرها حتى ما له سبب ” ، ” فإن استويا في إذن أو عدمه فالثانية باطلة” ، ” وكذا لو أذن ولو في غير وقته ” ، ” وله السُّؤال عند آية رحمة ولو في فرض” ، ” حتى في نكاح فاسد فيه خلاف” ، ” وانتظار داخل إن لم يشق على مأموم ” .

وغيرها كثير في مواضع متفرقة في الزاد ، قصد منها الحجاوي تقوية المَلكة عند البحث والمطالعة للمسائل.

وهنا أقيد الأمثلة من الزاد على كيفية تحرير محلِّ النِّزاع بإيجاز ، لكن يجب التنبيه أن الأمثلة هنا للتقريب ، لأن تحرير النِّزاع يحتاج إلى نفس طويل وصفحات طويلة لكل مثال يُقصد توضيحه ، وليس هذا محلُّه ، ومن أراد التوسع فليراجع الكتب المخصصة لذلك وهي مذكورة في أسفل المقال . والله الموفِّق.

(1) قال الحجَّاوي رحمه الله تعالى : ” ومن مَسح في سفر ثم أقام ، أو عكس أو شك في ابتدائه : فمَسحُ مقيم ” .

حُجة الحنابلة في كونه يمسح مسح مقيم في الحالات الثلاث ، هو التغليب لأحد طرفيها وهو الحضر أي الإقامة ، فالسفر طارىٌء ، وكل مسافر سيصل ويقيم ، والأغلب على الناس هو إقامتهم ، وسفرهم ليس بدائم . وبهذا قال الإمام الشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى وكثير من فقهاء الإسلام.

أما الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى فقد خالف في المسألة وقال الصحيح إنه يمسح مسح مسافر للحديث المشهور : ” يمسحُ المسافر ثلاثة أيام بلياليهن ” أخرجه الترمذي بإسناد صحيح ، ووجه استشهاد أبي حنيفة أن الحكم مُتعلِّق بالوقت فيعتبر فيه آخره.

وقد قال بهذا الرأي أيضا الإمام أحمد رحمه الله تعالى في إحدى الروايتين عنه في المسألة .
أما الجواب عن تعليل الرواية الثانية عند الإمام أحمد : أن السبب الذي يَستبيح به المدة قد وجد ، فيمسح مسح مسافر.

وقد تحصَّل من هذا أن الخلاف في المسألة يسيرٌ جداً ، ولكل حجته وتعليله كما سبق ، ولا ثمرة لهذا الخلاف ولله الحمد ، فيكون مرفوعاً حُكماً ، لأن العبادة وقعت بمقتضى الدليل لكن اختلف في كيفيتها .

(2) قال الحجاوي رحمه الله تعالى : ” سجود التلاوة صلاةٌ يسنُّ للقارىء والمستمع دون السامع ” .
الإمام أحمد رحمه الله تعالى قال في سجود التلاوة إنه سنة مؤكدة والإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى قال إنه واجب .

دليل الإمام أحمد ما في جاء في الصحيحين أن زيد بن ثابت رضي الله عنه ” قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة النَّجم ولم يسجد فيها ” ، فلو كان السجود واجباً لما أقرَّه صلى الله عليه وسلم على فعله ولأمره بالسجود .

ودليل الإمام أبي حنيفة على وجوب السُّجود هو مطلق الأمر في وجوب السجود لحديث : ” أُمر ابني آدم بالسُّجود فسجد فله الجنة ” أخرجه مسلم ، ولمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على السُّجود ، ولرواية ابن عمر رضي الله عنهما : ” السجدة على من سمعها أو قرأها ” أخرجه ابن أبي شيبة موقوفا .

وقد تحصَّل من هذا الخلاف أن الإمام أحمد وازن بين الأحاديث فلم يستدل بالأقوى من فعله صلى الله عليه وسلم ، بل أخذ بما اشتهر عنه ، ففهم منه سُنيَّة السجود لا وجوبه .
بينما الإمامُ أبي حنيفة أعمل قاعدة الإحتياط ، لأن السُّجود جزء من الصلاة أصلاً ، وبسبب تعارض الأحاديث فقد قدَّم الأحوط حماية للركن الثاني من أركان الصلاة ، وتعظيماً لكلام الله تعالى وإجلالاً له .

(3) قال الحجاوي رحمه الله تعالى : ” ولا يُقطع أحدٌ من الزوجين بسرقته من مال الآخر ” .
الإمام أحمد قال بعدم قطع أحد الزوجين إذا سَرق أحدهما من الآخر من مال مشترك بينهما .لكن إن كان المال خاصاً بأحدهما وسَرق منه الآخر، فقد قال الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه بعدم القطع ، وقد خالفه في ذلك الإمامين مالك والشافعي رحمهما الله تعالى .

دليل الإمام أحمد : أن غلام الحضرمي سرق مرآة زوجته ، فقال عمر رض الله عنه : ” لا قَطع عليه ، خادمكم أخذ متاعكم ” . أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح .

وحجة بقية الائمة أنه مال محترم وآية السرقة عامة تشمل الزوجين وغير الزوجين ، لأن ذلك حدٌّ من حدود الله يجب تعظيمه وعدم تضييعه .
ولم يرد عندهم عن النبي صلى الله عليه وسلم تفريق بين مال الزوجين ومال غيرهما في استيفاء الحدود .

والصحيح قول الإمام أحمد لأن الحدود تُدرأ بالشبهات ، والقطع من أجل سرقة أحد الزوجين فيه شُّبهة كما لا يخفى .
فقول الحجاوي : ” لا يقطع ” نفي وجزم للقطع هذه المسألة وهو مأخوذ من الاستقراء لنصوص السنة وتمحيص الأدلة .

وقول بقية الأئمة بالقطع يبدو أنه للزجر ، لأن القطع بأمر الإمام لا بفتوى القاضي ، ولا يصح مخالفة الدليل رغبةً في موافقة قول المذهب كما هو متقرر في قواعد الفقه .
وحتى يتمكن دارس الزاد من تحرير النِّزاع في المسائل ، يجب عليه أن يقوِّي مَلكته في مسائل التحرير للأدلة والأحكام مثل :

حكم التعليل مع القياس ، وحكم العِلة القاصرة والمتعدية ، حكم الترك القادح وغير القادح ، حكم تقديم الإباحة على التحريم ، متى تقدم المفسدة على المصلحة ؟ ، حكم الاستقصاء في اتِّباع السٌّنة ، حكم فعل ما لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ، حكم فعل السنة التي لم تتبين ، حكم العمل بمشقة زائدة ، كيف نُرجِّح عند تعارض الأدلة ؟ ، حكم تخصيص الإباحة ، حكم التوقف عند الشُّبهة .

وهناك قواعد تفيد في تحرير محلِّ النِّزاع مثل :
إذا اجتمع الحلال والحرام غُلِّب الحرام ، والخروج من الخلاف مستحب ، وما لا يباح عند الضرورة لا يجوز فيه التحرِّي ، ودرء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح ، وإذا اختلف أهل اللغة في مسمَّى ولا مرجِّح تعيَّن الإحتياط ، وباب الحرمة مبني على الاحتياط فيجوز اثباته مع الاحتمال ، والشُّبهة تقوم مقام الحقيقة فيما يُبنى على الاحتياط .

ومما يفيد في تحرير مسائل النِّزاع : أن قول الصحابي مردودٌ الى السنة ، وشرع من قبلنا مردود الى القرآن إذا قصَّه الله تعالى من غير انكار ولم يرد في الشرع ما يخالفه ، والاستصحاب مرجعه في الغالب الى القرآن وأحياناً الى السُّنة ، وتارة الى القواعد الفقهية ومقاصد الشريعة والمناسبة العقلية .

وإذا تكافأت الأدلة أو تقاربت قوتها أو لم تنضبط عِللُها وأسبابها أو دار الفعل بين حكمين من أحكام التكليف ، كالوجوب والندب والتحريم والكراهة ، فحينئذ يجب الاحتياط كقاعدة شرعية يركن إليها أهل العلم لإبراء الذِّمة ، لأنه إذا تعارض مانعٌ ومبيحٌ قُدِّم المانع لأنه أحوط للترجيح كما نص عليه كثير من العلماء .

وهناك أمرٌ مهم لم أر من نبَّه عليه في مثل هذه المباحث، وهو يعين كثيرا في تحرير محل النِّزاع ، وهو مطالعة أبواب الأحاديث في كتب السٌّنن والصِّحاح ، فهي مفتاح لكثير من المسائل المستغلقة التي قد تخفى على كثيرٍ من الخواص والعوام .

وقد ذكر لي بعض مشايخي أنه في شعبان سنة 1391هجرية ، حدث لغطٌ وجدل بين بعض العلماء ، حول مسألة توحيد مطالع الأهلة لشهر رمضان ، في جميع البلاد الإسلامية ، فاقترح كثير منهم أن توحَّد المطالع ، حتى يكون صوم الناس جميعاً في كل البلاد الإسلامية وفطرهم جميعا.

وكان من أبرز من عارض ذلك العلامة عبد الله بن محمد بن حُميد (ت: 1402هـ )رحمه الله تعالى ، فانظر كيف ردَّ على العلماء وكيف وهَّن تلك الفتوى ، حيث استدل بما في صحيح مسلم عن كريب : أنَّ أمُّ الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام ، قال : فقدمتُ الشام فقضيتُ حاجتها ، واستهل عليَّ رمضانُ وأنا بالشام ، فرأيتُ الهلال ليلة الجمعة ، ثم قدمتُ المدينة في آخر الشهر ، فسألني عبد الله بن عباس رضي الله عنه ، ثم ذكر الهلال فقال : متى رأيتم الهلال ؟ فقلت رأيناه ليلة الجمعة ، فقال أنتَ رأيته ؟ ، فقلت : نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية ، فقال : لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نُكمل ثلاثين أو نراه ، فقلت: أو لا نكتفي برؤية معاوية وصيامه ، فقال : لا ، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .أهـ .

فهذا الأثر فيه فوائد منها : أن لكل بلدٍ رؤيتهم ، وقول ابن عباس: هكذا أمرنا رسول اله صلى الله عليه وسلم ، يدلُّ وجوباً على أن لكل بلد مطلع ، ومنها أن ابن عباس لم يرد خَبر كريب بناء على أنه خبر واحد .

وقد ترجم مسلم في صحيحه لهذا الأثر بقوله : باب بيان أن لكل بلد ٍرؤيتهم ، ومثله أبو داود في سُّننه ، ومثله الترمذي في جامعه.

ومن الفوائد أيضاً أن الحكم الوضعي في هذه المسألة معتبر ، لأن الصوم والإفطار متعلِّقان بالسبب الذي هو الرؤية كل بلد بحسبه.
ولو رجعنا إلى كتاب الزاد للحجاوي لرأينا أنه أورد هذه المسألة عند قوله : ” وإذا رآه أهل بلدٍ لزم الناس كلهم الصوم ” .

ومعناه : لو رؤي في مكة ، للزم من حولها من المدن الصوم ، كالطائف وجدة وينبع حتى آخر مكان تختلف فيه المطالع .

والعلامة البهوتي (ت: 1051هـ)رحمه الله تعالى عندما شرح هذا الموضع في الروض قال إنه عامٌّ للأمة كلها ، وهذه زلٌّة منه عفى الله تعالى عنه ، لأن البلدان البعيدة لها مطالع مختلفة بحسب درجة الشمس عندهم ، فكل حركة للشمس لها مطلع في بلد بحسب تقدير الله في الكون ، تارة تكون بطلوع الفجر في بلد وتارة بعكسه حتى يروا الهلال .

(4): هذا المثال من خارج الزاد ولم يورده الحجاوي في مختصره : هل يصح الحج بمال حرام ؟. عند الحنفية والشافعية ورواية عند المالكية ، أن المال في الحج شرط للوجوب وليس شرطاً للصحة ، فلا تلازم بين أعمال الحج وبين نفقته ، لكنه يأثم على الحج بمال حرام ، ولهذا قال الونشريسي (ت:914هـ) رحمه الله تعالى : ” إذا حجَّ بمال مغصوب ضَمِنه وأجزأه حجُّه ، وهذا قول الجمهور ” ، وقد رجَّح القرافي صحة الحج بمال حرام خلافاً لأحمد .

أما الحنابلة فقالوا بعدم الإجزاء وعدم برآءة الذِّمة ، لأن النفقة في الحج شرطٌ من شروط صحة الحج ، لا شرطاً من شروط الأداء والوجوب .
والراجح عند العلماء أن الحج بمالٍ حرام صحيح مع الإثم ،وقد قال المحقِّقون هنا : إن الحج صحيح قياساً على من صام ولم يَسلم لسانُه من الغيبة ، فصيامه صحيح مع الإثم وأجره ناقصٌ.

وقالوا أيضاً مثل ذلك : إن الصلاة في الأرض المغصوبة صحيحةٌ مع الإثم ، لكن تبرءُ الذِّمة بأداء الفريضة .

أما دليل : ” وتزوَّدوا فإن خير الزاد التقوى ” ( البقرة:197 ) ، فليس نصاً في المسألة لعمومه ولعدم قطعيته في المسألة بعينها كما حرَّره العلماء ، فلا يكفي للاحتجاج به ، وأما الأحاديث فأكثرها ضعيف في هذه المسألة ، والصحيح منها يُحمل على الزجر والوعيد لا لردِّ القبول وعدم الصحة . والله أعلم.

أما الكتب التي تُساعد على تحرير محلِّ النِّزاع فهي كثيرةٌ جداً ، منها:
المغني لابن قدامة ، والمجموع للنووي ، والمبسوط للسرخسي والإحكام لابن حزم ، والموافقات للشاطبي ، ورفع الملام عن الأئمة الأعلام لا بن تيمية ، والاستذكار لابن عبد البر، والتقرير والتحرير لابن أمير الحاج ، وحاشية ابن عابدين ، والمنخول للغزالي ، وحاشية ابن قاسم على الروض ، وأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم للأشقر . ونحوها من الكتب المهمة المحرَّرة المجودة.

وفي خاتمة هذا الدرس أودُّ أن أنبِّه إلى أن التخطيط الجيد لفهم المسائل، أمرٌ يحتاج إلى دُّربة وعناية لاختصار الوقت والجهد والصحة ، وقد يحتاج أحياناً إلى الحيلة الشرعية التي تأتي بطريق البناء العقلي.

ومن اللطائف التي تُروى عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، أنه احتاج الى الماء في طريق الحج فساوم أعرابياً قِربة ماء فلم يبعه إلا بخمسة دراهم ، فاشتراه بها ثم قال له : كيف أنت بالسويق ؟ ، فقال أريده ، فوضعه بين يديه فأكل ما أراد وعطش فطلب الماء ، فلم يُعطه حتى اشترى منه شَربة بخمسة دراهم .أهـ .

ظهرت في الآونة الأخيرة ما يسمى بمبادىء التفكير الإبداعي ، وهي نظريات مستقاة من الغرب تم غربلتها ووضع مسحة إسلامية شرعية لها ، وقد تم الترويج لها بهالة إعلامية مثل : القبعة البيضاء ويقصد بها الموضوعية ، والقبعة الحمراء ويقصد بها العاطفية في البحث ، والقبعة السوداء ويقصد بها السلبية في البحث ، والقبعة الصفراء ويقصد بها التغيير الإيجابي ، والقبعة الخضراء ويقصد بها الإبتكار ، والقبعة الزرقاء ويقصد بها التحكم في التفكير .
فمثل هذه الطُّرق الإبداعية هي مضيعة للوقت في دراسة الفقه تحديداً ، ولا يمكن أن تخرِّج فقيهاً ولا عالماً ، ولا باحثاً ضليعاً .

والبديل عنها هو : الإفادة من استراتيجيات التعلُّم التي لا تتعارض مع مبادىء البحث الإسلامي ، كالتفكير بالمقلوب ، والتفكير بالدمج ، والتفكير غير المألوف ، والتفكير خارج الصندوق . وهي مشروحةٌ ومفصَّلة في كتب التفكير الإبداعي .

ويمكن أن نستعين بالخرائط الذهنية في تحرير محلِّ النِّزاع ، لكن لا بد من جعل الكتب والبحث فيها ومراجعتها أصلاً لا يحيد عنه طالب الفقه الإسلامي قيد أنملة .
حدثني بعضُ طلبة العلم في المغرب أن مشايخهم يكرِّسون حياتهم في الجمع بين خُلاصة العلم ولبِّه وبين تصوُّر المسائل ورصد الحجج والكليات ، سواء كانت جنساً أو نوعاً أو فصلاً أو خاصةً أو عرضاً ، مع العناية بالحدِّ والرسمِ والمثال ، وهذه الطريقة منطقية ومفيدة في فهم المباحث وتعليل المسائل . والله أعلم .

انتهى الدرس الثالث ويليه الدرس الرابع إن شاء الله تعالى .

هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
1439/10/7