المبين لخطأ تزويج السوريات بملك اليمين

تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها !

من المعيب والمؤسف أن تصبح جراحات إخواننا في الشام ملهاة للتفكُّه والتندُّر وترويج الأخبار حولهم بتصريح أو بتلميح .

وإذا كان الأصوليون يقررون أن مراعاة مقتضى الحال من أعظم أنواع الفقه في الدِّين ، فأي فقه تساق إليه الأمة اليوم بدعوى التراحم  !  .

 وقد ظهرت بعض الفتاوى تحث وتُرغِّب في نكاح السوريات في مخيمات اللاجئين وفي غيرها من مناطق الشتات في العالم ، ليس نكاحًا جرى عليه العُرف ، بل نكاح السبايا والجواري  .

 وهذه الفتاوى خطيرة ، لأن في ثناياها الدعوة للعبث بالأعراض والإستخفاف والاسترخاص لأولئك النسوة وهضم حقوقهن ، وفتح الطريق لأهل الشهوات للكيد بهن بطرق ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب  .

وقد برزت أقلام قبل مدة يسيرة ، تطالب بتقنين قانون الأحوال الشخصية والسماح بإصدار قانون بيع وشراء الجواري وملك اليمين ، للقضاء على الجرائم الخُلقية بزعمهم ، والصحيح أن غايتهم إشاعة الفاحشة وتحطيم كيان الُأسرة المسلمة وتمزيق نسيج عفاف المرأة ، والله غالب على أمره  .

وفي هذه الأسطر سوف أُبطل تلك الفتوى بعشرة أوجه حاصرة  :

1- الأصل في الآدميين الحرية، لأن الله تعالى خلق آدم وذريته أحراراً، وإنما الرِّق لعارض ، فإذا لم يُعلم العارض ، فله حكم الأصل .

 وبيع بعض أهالي نساء سوريا لبناتهن للضرورة لا يجوز شرعاً، سواء كان القصد سترهن أو التخلُّص منهن . وفي المرفوع : ” قال الله تَعَالَى ثَلَاثَة أنا خَصْمهُم يوم القِيَامَةِ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى منه ولم يُعْطِهِ أَجْرَهُ “. أخرجه البخاري  .

2- نساء سوريا المهجَّرات غالبهن مسلمات ، والمسلمة لا يجوز استرقاقها ، لأن الرِّق سببه الكفر وهو منتفٍ هنا . فلا يجوز ابتداء استرقاق المسلم، لأن الإسلام ينافي ابتداء الاسترقاق، ولأن الاسترقاق يقع جزاءاً لاستنكاف الكافر عن عبوديته لله تعالى، فجازاه بأن يُصيَّر عبد عبيده  .

3- نساء سوريا غير المسلمات إما محصنات – ذوات أزواج – لا يجوز الزواج بهن ، أو غير محصنات ولدن حرائر فلا يجوز استرقاقهن ، ومن أراد الزواج بهن فبعقد شرعيِّ بأركانه المقررة عند أهل العلم ، بشرط أن يكن عفيفات   .

4- الحر المسلم لا يجوز له الزواج بجارية إلا بشروط منها : عدم وجود الحرائر ، وبيوت المسلمين  اليوم مملؤة بالفتيات ممن يتمنين الزواج ،  ولأن أولاده بعد وفاته في حال زواجه من جارية سيصبحون عبيداً لسيِّد الجارية إن تزوجت  . وهذا يمنعه الشرع ويسدُّ طرقه ، لأن الرِّق ضعف وذلٌّ لا يرضاه المسلم لنفسه ولا لولده من بعده  .

5- من يريد نكاح السوريات عن طريق ملك اليمين ، فكأنه يستدرك على شرع الله عياذاً بالله تعالى . فالإسلام شرع الرِّق لأسباب معينة وهي جهاد الكفار وما في معناه ، وفي أحكام العبادات ما يدعو إلى التخلص منه كالعتق وتحرير الرقاب والمكاتبة .

6- نساء النصيرية ممن لجأن إلى المخيمات بسبب ضيق العيش ولظى الحرب ، لا يجوز معاملتهن معاملة الإماء والجواري ، لأنهن روافض مشركات  وثنيات ، ولا يجوز للسُّني نكاح هؤلاء باتفاق العلماء   .

7- اللقيط إذا وجد ولم يعرف نسبه فإنه يحكم بحريته ، وهؤلاء  النساء اللاجئات يُحكم بحريتهن سواء عُرف أصلهن أو لم يعرف أصلهن .

وقد قال ابن المنذر( ت: 318هـ ) رحمه الله تعالى :” أجمع أهل العلم على أن اللقيط حر”.

وهؤلاء النسوة لسن لقطاء ، بل حرائر وبعضهن من بيوت عريقة ونسب عالي ، لكن الحرب وجحيمها لا تعرف نسبًا ولا حسباً   .

8- لا يجوز تنزيل أحكام شراء ملك اليمين وبيعها على نساء سوريا بسبب حاجتهن وكربتهن ، ولأنه لم يكن آباؤهن عبيداً . فالشرع  لا يقُرُّ ذلك لإنتفائه ، وقد تقرَّر عند الأصوليين أن الوصف الغريب للعلل ساقطٌ شرعًا، فلا يُعتدُّ به .

وفي الواقع العرف الدولي لا يسمح بذلك لمخالفته لحقوق الإنسان . والدُّول الإسلامية كلها وقَّعت عام 1953م  على ميثاق منع المتاجرة بالرقيق .

 وهذا عهدٌ يجب العمل به حتى تعود راية الجهاد في سبيل الله ويكون الرقيق من أسبابه ، وما ذلك على الله بعزيز  .

9- إن كان المقصود من زواج السوريات بملك اليمين ، هو أن يهبن أنفسهن لمن يرضين من الرِّجال ، فإن ذلك لا يجوز ، لأن استرقاق الحر لا يكون بيده بل بأسبابه الموجبة شرعًا كما تقدَّم .

 ووقف الحر نفسه لغيره لا يصح كما هو مقرر عند الفقهاء . والتزويج بالهبة يكون بعقد الزوجية لا بعقد ملك اليمين ، لإنتفاء ملك اليمين في أصل المسألة  .

10-  زواج الهبة أن تهب المرأة نفسها للرجل كي يسترها ويُؤويها ، لا يجوز في عصرنا ، لأنه خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم ، فلا يجوز تنزيله على النساء اللاجئات الضعيفات في سوريا . وقد قال الله تعالى : ” وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ” (الأحزاب: 50 ) . وجمهور الفقهاء قيَّدوا تحريمه لعموم الناس لعدم المهر فيه ،ولعدم الإذن في مشروهيته ، ولأنه بمنزلة ملك اليمين المنتفية سببها . فكأنه بيع حر وشراؤه ، وهذا من كبائر الذنوب   .

فهذه عشرة أوجه كل واحدة منها تنسف الترويج للفتاوى المضللة لتزويج السوريات بملك اليمين ، وقد تقرَّر عند الأصوليين أن الأمة أجمعت على تحريم القول على الله بدون دليل ، واستحسان فتوى بالعقل لترجيح مصلحة حرامٌ في شرع الله . وقد قال الإمام الشافعي (ت: 204هـ)رحمه الله تعالى : ” من استحسن فقد شرَّع ”  .

وليعلم الغافل أن نساء الشام اليوم حاجتهن إلى الكسوة والمأوى والغذاء أعظم من الحاجة إلى الزواج . والمثل الشامي يقول :” من قِلة الخيل شدّينا على الكلاب سروج ”  !  .

 فليتق الله من يُروِّج لهذه المعضلة ، فإن الدنيا دولاب لا يُعلم أين يستقر غدا ً. نسأل الله السلامة .

والمقصود أن هذه المعاملة الجديدة التي يُروَّج الكلام حولها ليست من الحق الذي تجب نصرته ، بل من الباطل الذي يجب دفعه وبيان حرمته . وقد وبَّخ الله وتوعَّد الساعين إلى تفريق الأمة في عقائدها وأحكامها بقوله : ” فتقطَّعوا أمرهم بينهم زبرا  كل حزب بما لديهم فرحون ، فذرهم في غمرتهم حتى حين” ( المؤمنون : 53 – 54) .

 فنسأل الله الهداية ، لئلا نكون لمن بعدنا آية  .

هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .

1435/2/16هـ