قرأتُ قديماً فائدة أصولية ما زالت محفورة في ذِّهني ، وهي أن الله تعالى لم يُجر أحكام الدُّنيا على عِلمه في عِباده ، بل على الأسباب التي نَصَبها أدلة عليها .
ومن الأسباب ما أفصح عنه الرسولُ صلى الله عليه وسلم بقوله : ” إذا حدَّث الرجلُ بحديثٍ ثم التفت فهي أمانة “أخرجه أحمد بإسناد حسن .

هذا في الالتفات ، فكيف بالكيد والمكر وإفساد ذات البين؟! ، وكيف بالاعانة على قتل المسلم ولو بشطر كلمة ؟!.

في كتاب الله تعالى وصفٌ دقيق لأصحاب الغوائل والمحنِ الذين لا يهنأُ لهم عيشٌ ولا يقرُّ لهم قرارٌ إلا بنصب فُسطاط البغي والضلال ، نعوذ بالله من حال أهل السوء .
وبمناسبة مُخيَّم الباطل الذي شرعت قيادةُ دولة قطر في رفع أعمدته وبسط سُرادقه ، فإنني أبوح بأسطر قليلة لعل الله تعالى أن ينفع بها من يقفُ عليها .

لقد وصف الله أهل الباطل بقوله :” الذين يتربَّصُونَ بكم ” (النساء : 41) ” وبقوله سبحانه : ” وترى كثيراً منهم يُسارعون في الإثمٍ والعدوان “( المائدة : 61)) وبقوله تعالى :” وإن تُصبكم سيئةٌ يَفرحوا بها ” (آل عمران:120) وبقوله تعالى :” وتفريقاً بين المؤمنين ” ( التوبة:107) وبقوله سبحانه : ” يُخفون في صدورهم ما لا يُبدونَ لك” ( آل عمران:154 ) ،وغيرها من النصوص .

والرسول صلى الله عليه وسلم وصفَ أهل الباطلٍ بأنهم مُفرِّقون بين الأحبة ، حيث قال : ” خِيارٌ أمتي الذين إذا رُءوا ذُكر الله ، وشِّرار أمتي : المشاءون بالنميمةِ المُفرِّقون بين الأحبة ، الباغون البُراء العَنت ” . أخرجه أحمد بإسناد صحيح.

ووصفهم بأنهم : ” تَتجارى بهم الأهواءُ كما يتجارى الكَلَبُ بصاحبه ، لا يبقى منه عِرقٌ ولا مِفصل إلا دَخَلهُ ” أخرجه أبو داود بإسناد صحيح .

لقد بغى النظام القطريُّ وتعنَّتَ على أهله وجيرانه وشعبه ، بكل أشكال الكيد والحِيلِ والدسائس ، مُغتراً بماله وسُلطانه وإعلامه ، حتى انطبق عليه وصف الرسول صلى الله عليه وسلم : ” شِّرار أمتي الذين غذوا بالنعيم ، الذين يأكلون ألوان الطعام ويلبسون ألوان الثياب ويتشدَّقون في الكلام ” أخرجه ابن أبي الدنيا بإسنادٍ حسن .

من المُخزي أن يقوم النظام القطريُّ بالتربُّص ببلاد الحرمين بأساليب عديدة وماكرة ، ومنها توظيف وتفويض المدعو عزمي بشارة ( مسيحي الديانة ) الذي رضع الفلسفة في ألمانيا ، وهو الداعي إلى الثورات في البلاد العربية ، والمهندس لِخُططها، والراسم لملامح السياسة الخارجية لدولة قطر ، والمُنسِّق مع الصحف العالمية لتحسين صورة دولة قطر في الإعلام الدولي ،ذراً للرماد في العيون!.

ومن غوائله : التفنُّن في تسويغ الخروج على جماعة المسلمين وقادتهم وأهل الرأي والسداد منهم ، مما تسبَّب في مَلء النفوس بالغيظ وإرادة البطش والإنتقام .

ومنها تجنيدُ المرتزقة لتفريق الُّلحمة السورية المجاهدة بأساليب الإغراء المادي والمعنوي ، مما نتج عنه تأخير النصر في ساحة المعاركِ، كما هو معلومٌ لكل مُطَّلعِ على الأحداث .
ومنها دعمه الخفيُّ للعناصر الحوثية والِّليبية في كل من اليمن وليبيا ، مما أوجد تياراتٍ وجماعاتٍ متناحرة باغية ، تُفرِّق ولا تَجمع وتُفسد ولا تُصلح ، همُّها المالُ والجاهُ والسُّلطة.
ومنها تأييدُ الحِزبُ الرافضيُّ في لبنان المُسمَّى بحزب حسن نص ليره ، الذي يتلقَّى الدعم من النظام الإيراني المجرم .

ومنها تدبير الدسائس والمؤامرات لإفساد ذات البين ، في بلاد الحرمين والإمارات والبحرين ومصر وغيرها من الدُّول، بأساليب شيطانية ماكرة تم إثباتها بالأدلة والبراهين الواضحة ، وهي مرصودةٌ لُتقدَّم إلى المحاكم القانونية الدولية لإبراء الذمة وإقامة الحجة .

ومنها الثقة بالحكومة الإيرانية المجرمة التي تتربص الدوائر بأهل السنة والجماعة في أرض الحرمين وغيرها، فتقتل وتُخرِّب وتُجنِّد ضعفاء النفوس ، للنَّيل من العرب ومن كل رايةٍ سُنيةٍ نقيةٍ .
ومنها الدعم الخفيُّ لداعش والحشد الشعبي العراقيِّ ، بأيدٍ خارجيةٍ تتلوَّن كُّل حينٍ بلونٍ جديدٍ .
( انظر : وكالة الأنباء السعودية / تاريخ 1438/9/14هـ) .

من المُخزي أن النظام القطريُّ كما قال الفرزدق(ت: 110هـ ) الشاعر المعروف ، للحُسين بن عليِّ(ت: 61هـ ) رضي الله عنه عندما سأله عن شيعته الذين كان ينوي القُدومَ إليهم : ” قُلوبهم معك وأسيافُهم عليك ” !! .

لقد أفسدَ هذا النظام حقوق الجِيرة وحُقوق الإحسان إلى الأقارب والأهل والأصحاب ،وضيَّق على الناس أقواتهم وأرزاقهم ، بل وأفسدَ رابطة الُأخوة الإيمانية التي تجمع المسلمين في الحُلوة والمُرة ! .

فالواجب على المسلم الآن في ظل هذه النازلة الخطيرة ، الإعتصامُ بالله تعالى والثبات وعدم
الفرقة في مواطن الحرَج، وتجنُّب الخوض في الفِتن بلا دليل ، واسناد الأُمور المُدلهمة إلى أهلها من ولاة الأمر الناصحين المُخلصين .
فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم :” إذا رأيتم الناس قد مرجت عُهودهم وخَفَّت أماناتهم وكانوا هكذا – وشبَّك بين أصابعه – فالزم بيتك واملك عليك لسانك ، وخذ بما تعرفه ودع ما تُنكر ، وعليك بأمر خاصة نفسك ودع عنك أمر العامة “.أخرجه أبو داود بإسناد صحيح .

والواجب أن يدعو المسلم بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم :”ربِّ أعنِّي ولا تُعِنْ علي، وانصرني ولا تنصر عليَّ، وامكر لي ولا تمكر عليَّ” . أخرجه أصحاب السنن بإسناد صحيح .

والواجب مراجعة الإيمان في النفوس عند الفتن ، لتقوى البصيرة ويزول الريب عن الأفئدة ، كما قال العلامة ابن عقيل (ت: 513هـ)رحمه الله تعالى : “إذا أردتَ أن تَعلمَ مَحلَّ الإسلام من أهل الزمان فلا تنظر إلى زِّحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك ،وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة “.
وقد ُسئل الإمام الشافعي (ت: 204هـ )رحمه الله تعالى: كيف تَعرفُ أهل الحق في زمن الفتن؟! فقال: “اتَّبع ِّسهام العدو فهي تُرشدك إليهم ” ! .

والواجب أيضاً الصبر على أقدار الله تعالى لقول ابن مسعود رضي الله عنه : ” لأن أعَضَّ على جمرةٍ أو أقبضَ عليها حتى تبرد في يديَّ ، أحبُّ إلي من أن أقول لشيٍ قضاه الله ليته لم يكن “. أخرجه عبد الرزاق وإسناده صحيح .
والواجب أيضا الرجوع إلى العلماء العاملين الربانييِّن الذين ينصرون الحق ولا ينصرون الباطل ، والذين يعملون لدين الله لا للدرهم والدينار والجاه والمنصب ، ففي الحديث : ” مَن نصر قَومهُ على غير الحق ، فهو كالبعير الذي تردَّى ، فهو ينزع بذنبه ” أخرجه أبو داود بإسناد صحيح .

ولقد أحسنت رابطةُ العالم الإسلاميِّ حين حَجبت عضوية من يسعى لتأليب العامة على حُكوماتهم وبلدانهم ، بفتاوى باردة تُعبِّر عن الهوى والتشهِّي ، لا عن التجرُّد والإنصاف.
(انظر : جريدة الرياض : السبت : 15/ رمضان1438ه) .

وقد أعجبني ما رواه ابن مفلح في ” الآداب الشرعية ” ( 2/222) أن هشام بن عبد الملك(ت: 125هـ) رحمه الله تعالى، لم يقل بيت شعرٍ إلا هذا البيت :
إذا أنتَ لم تَعصِ الهوى قَادك الهوى.. إلى بعض ما فيه عَليك مَقالٌ .

فلا يجوز للمسلم شرعاً أن يستألب على عِرضه صغار الناس وكبارهم ، فإن هذا عيبٌ في المحاسن والمروءآت .

وأخيراً فإنه يجوز لمن بُغيَ عليه – كبلاد الحرمين -أن يستجلبوا آحاد الناس وجماعاتهم ليشهدهم ذلك ،وليرفعوا عنه الظلم ، كما في حديث أبي جحيفة رضي الله عنه : ” أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو جاره ، فقال له : اطرح متاعك في الطريق ، فجعلَ الناسُ يمرُّون به – أي بالمُؤذي منهما – ويَلعنونه حتى شَكى ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له : قد لَعنك الله قبل الناس ” ! . أخرجه الحاكم وصححه الألبانيُّ .

فلنتأمل هذا الحديث ومعانيه العِظام ، ولنَحكم بما يُرضي الله ، فإنَّ ” ما عِندكم يَنفَد وما عند الله باقٍ” ( النحل : 96) .
ومن أراد الكيد لبلاد الحرمين فقد أقام نفسه على خَطر ، وأشفاها على غَرر ،والحمد لله على نعمة الإسلام والسُّنة .

والمقصود أن من يُنافح عن النظام القطريِّ اليوم ناقص الفِقه والعقل ، بعد كل ما شهدتُه بلاد الحرمين من بَغيٍ وظُلم لها ومكرٍ عليها بالليل والنهار ، وقد تقرَّر عند الأصولييِّن أن صاحب القصة والمباشر لها مُقدَّم في الترجيح على غيره ، فقد قدَّمت عائشةٌ رضي الله عنها علياً رضي الله عنه على نفسها ، حين سُئلت عن حُكم المسح على الخُفِّ، لأنه مُباشر للحكم ومُصاحب لقرائنه الدالَّة عليه ، ولأن الشاهد يرى ما لا يرى الغائب .

هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
1438/9/15هـ