الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ..
فهذه خُلاصة دراسة كاشِفة ، عن الكتاب القيِّم المُبارك نَشر البنود على مراقي السُّعود ، للعلامة عبد الله العلوي ( ت: 1233هـ)رحمه الله تعالى.

ونشر البنود شرح لمنظومة مراقي السُّعود في أصول الفقه ، للعلوي نفسه .
والعلوي عالم ورحالة اقتنص الفوائد في أسفاره من العلماء الذين التقى بهم ودارسهم وقرأ عليهم . فقد رحل إلى المغرب بين مراكش وفاس ، كما رحل إلى الحجاز ، مكة والمدينة وغيرهما ، وكذلك رحل إلى مصر في رحاب الأزهر، وقد بلغت رحلاته عشرون عاما وقد تزيد ، على خلاف في تقدير ذلك بين المترجمين.

وما أنشرهُ الآن هنا هو خُلاصة ما سطَّرتُه على نسختي وقيَّدتُه في ذاكرتي، عن العلامة العلوي وعن منظومته مراقي السُّعود وشرحها نشر البنود ، وسأنشره إن شاء الله تعالى في كتابٍ مفرد في الأيام القادمة .

ومن فضل الله تعالى عليَّ أن كتاب نشر البنود كان رفيقي في حِلِّي وتَرحالي ،وأعرِفُه كما أعرف أهلي وأولادي ، فكنتُ أقتبسُ من فوائده وفرائده حتى اجتمع لي من نفائِسه ، ما يُمكن أن أنفع به نفسي وغيري.

وهذا الكتاب مهم جداً لمن أراد أن يُربِّي ملَكته الأُصولية ، ويترقَّى في مدارج المسائل العلمية في فُنون الشريعة ، وإنني أُوصي بمطالعته والنَّهل من معينه ، على حسب الوسع والطاقة .
والملَكة الأُصولية يُمكن بِناؤها بخمسة أسباب :

الأول : التحرير : وهو كتابة المسائل والتهميش على المتون والكتب ، والنظر فيها والصبر على ذلك .

الثاني : التقرير : معرفة وفهم الأدلة والشواهد ومواضع النِّزاع في مباحث العِلم ،والسهر على ذلك .

الثالث : الموازنة بين أقوال العلماء ومناهجهم ومعرفة حُججهم .

الرابع: النقد : تميِّيز الأقوال واختيار المناسب منها ، بحسب ما يترجَّح عند الناقد والمتأمِّل ، ممن له خِبرة بسبر المسائل .

الخامس : العمل : وهو التطبيق العملي والإفادة مما تمَّ تحريره وتقريره وموازنته ونقده ، مع استشعار الإخلاص لله تعالى في ذلك ومراعاة شرعه وأمره ونهيه ، مع التعظيم والإجلال لله سبحانه.
والعمل بالمسائل الأصولية ليس للمجتهد فحسب ، بل العامي والداعية وطالب العلم ، يلزمهم العمل بثمراتِ هذا العلم ،كُّل على حسب مقامه ووسعه.

والدليل على هذا ما أخرجه أصحاب السُّنن بإسناد صحيح ، عن كبشة بنت كعب بن مالك وكانت تحت ابن أبي قتادة : ” أن أبا قتادة دخل فسكبتُ له وضوءاً ، فجاءت هِرةٌ فشربت منه ، فأصغى لها الإناء حتى شربت ، قالت كبشة : فرآني أنظر إليه ، فقال : أتعجبين يا ابنة أخي ؟ فقلت : نعم ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إنها ليست بنجس ، إنها من الطوَّافين عليكم والطوافات ” .
فيستفاد من هذا الحديث للعمل به : أن تعليق الحكم بوصف مناسب ، يقتضي العِلية ، ولا تُشترط المناسبة في ترتيب الحكم ، وهو الراجح .
وقِس على هذا جميع مسائل الأصول .

ويستفاد مما سبق أن ما يُقوِّي الهمة : المدارسة ثم المطارحة ثم المباحثة ، والخبر السابق يدلُّ على ما تقرَّر .
ويبدو أن منظومة مراقي السُّعود هي في أصلها كانت كذلك .

والمنهج الأُصولي عند العلوي جيِّد ونافع ، ويدل على تضلُّع في الأصول والمنطق ، وإن كان لا يخلو من تعقُّب ، وهو متأثِّر إلى حدٍّ بعيد بالعلامة النحوي الأُصولي أحمد العبادي(ت: 992هـ ) صاحب الآيات البيِّنات ، رحمهما الله تعالى ، فقد نقل عنه باللفظ والمعنى في نحو سبع مِئة موضع في نشر البنود .

ولم أجد فيما بين يديَّ من طبعات سابقة لنشر البنود مَن بيَّن حال الكتاب ومنهج مصنِّفه ، وكيفية الإفادة من المنظومة أو شرحها ، وما يُوجد بهما على العموم ، من ملاحظات أو ما عليهما من استدراكات.
واحسبُ أنَّ من فهم هذه الصفحات فإنه يسهل عليه إن شاء الله تعالى مطالعة المنظومة وحفظها أو فهمها ، ثم الشُّروع في تدبُّر نشر البنود واستخراج فوائده إن رغب في ذلك .

أولاً : أهمية منظومة مراقي السُّعود :
هناك عُزوف من بعض طلبة العلم اليوم عن الإفادة من منظومة مراقي السُّعود ، إما لأن ناظمها يميلُ إلى الأشاعرة والمتصوِّفة ، أو لطولها وصعوبة مادتها.

ومزج المعتقد بالمسائل الأصولية ضرورة في المدارس
المذهبية ، لكن بيان الراجح أكثر ضرورة ، لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ، كما هو متقرِّر عند الأصوليين .
وقد أشار الناظم إلى هذا المعنى عند قوله :
وإن أتى ما خَصَّ بعد العمل.. نسخَ والغيُر مُخصِّص جَلي

وسأعرِّج على هذه الجزئية في ثنايا هذه الصفحات إن شاء الله تعالى.

نَظم العلامة عبد الله العلوي مراقي السُّعود ليبيِّن رجحان مذهب الإمام مالك بن أنس (ت: 179هـ) رحمه الله تعالى على غيره من المذاهب ، وليظهر ما اندثر من الفوائد الفقهية والأصولية للأئمة الثلاثة رحمهم الله تعالى ، وحتى يفهم طالب العلم والباحث في علوم الشرع مقاصد الأحكام في المذاهب ، ويعرف مواطن الخلاف والتصحيح للمسائل كلٌّ بقدر وسعه وجهده .

ومن خواطره التي عبَّر عنها في منظومته، أنه لا بد من العلم والعمل في الشريعة ، فلا يكفي تعلُّمها والتحلِّي بها في المجالس والمحافل والنوادي ، وهذه لفتة تربوية يجب الاعتناء بها عند دراسة أصول الفقه تحديداً ، لأن بعض المتعالمين يظنون أن أصول الفقه نظريات لا يمكن الإفادة منها في العصر الحاضر .
وقد كان العلامة العلوي رحمه الله تعالى مربِّياً بالعلم بوقار وتواضع ، داعياً إلى ذلك عند السُّؤال عن المشكل الذي لم تكشفه القريحة .

والعلوي في منظومته لا يتعصبُ لمذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى ، فلا ضير عنده أن ينتقل الشافعيُّ إلى مذهب مالك ، أو المالكيُّ إلى مذهب الشافعيِّ أو إلى المذهبين الآخرين ، الحنفيِّ والحنبليِّ.
وقد حوت المنظومة أهم المباحث الأصولية على وجه العموم ، مع التنبيه على دقائق وفوائد يعسر الوقوف عليها في الكتب الطويلة .

ومن أمثلة ذلك اجتماع المانع والشرط والسبب في النكاح كما في قوله :
واجتمع الجميعُ في النكاح .. وما هو الجالب للنجاح .

فالنكاح سبب في وجوب الصداق وشرط في ثبوت الطلاق ، ومانع من نكاح أخت الزوجة .
وكذلك الإيمان سبب للثواب ، وشرط لصحة الطاعة ومانع من القصاص عند قتل الكافر ، عند بعض الفقهاء.
والعلوي في منظومته يُشير إلى وجوب الزيادة في العلم والزيادة في الورع، ليكون قول الباحث والمجتهد أقرب إلى القبول والانتفاع وقوة الاحتجاج .

ثانياً : منهج العلوي في منظومته :
منظومة مراقي السُّعود تقع في ألف بيت وبيت ، بدأها الناظمُ بالثناء على الله تعالى ، لكرمه ببعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى العالمين ، ليهديهم إلى طريق الحق والسُّنة ، ثم شرع في التدرُّج في مسائل الأصول باحترازات وتعريفات وضوابط وتنبيهات وتصحيحات ، لبعض ما يغلط في فهمه بعض الطلبة أو الباحثين .

مثل قوله :
وما من البرآءة الأصلية.. قد أخذت فليست الشرعية .
والمقصود هنا أن الإباحة تُؤخذ من حُكم الشرع ، لا من دليل سابق دلَّ عليه العقل أو العدم .
وقوله:
أصوله دلائل الإجمال.. وطرق الترجيح قيدٌ تال
والمقصود هنا أن طرق الترجيح تتبع الأدلة الإجمالية وليست التفصيلية. وهذا رأي منه وليس بترجيح ، لأن المسألة اجتهادية .
وأيضا مثل قوله :
وفي العبادة لدى الجمهور.. أن يسقط القضا مدى الدهور

والمقصود من كلامه أن صحة العبادة هي سقوط القضاء ، وهذا قول كثير من الأصوليين .

ولا أستطيع أن أسترسل في الأمثلة ، لأنها بالمئات في المنظومة ، ولا يملُّ منها المطالع والباحث .
وقد استعمل الناظم رحمه الله تعالى الأسلوب النبوي في التعليم والتفهيم ، كالتنبيه بصيغة الاستفهام ليجدِّد نشاط الطالب أو الباحث ويُلفت انتباهه ، كقوله :
هل نيةُ الأداء والقضاء.. تنوبُ ذي عن ذي بالاستواء

ومثل قوله :
هل يجبُ الصوم على ذي العذر.. كحائض وممرض وسفر
ومثل قوله :
هل تثبتُ اللغة بالقياس.. والثالث الفرق لدى أناس
ومن منهجه أنه يعتني بقول الجمهور ، وقد بلغ عدد الأبيات التي نقل فيها قول الجمهور نحو خمسين بيتاً ، منها قوله :
الأحكام والأدلة الموضوع.. وكونه هذي فقط مسموع

والمقصود من النظم أن موضوع الأصول : الأدلة الشرعية والأحكام .
وقوله :
واعتبر الإجماع جُّل الناس.. وقسمي المفهوم كالقياس
والمقصود من النظم : أن الجمهور جوَّزوا تخصيص الكتاب والسنة بالإجماع .
ومنها قوله :

والعجز عن ابطال وصفٍ لم يُفد ..عليةٍ له على الذي اُعتُمِد
والمقصود من النظم : أن العجز عن ابطال عِليَّة الوصف لا يُفيد العلية عند الجمهور .
ومنها قوله :
وفي العبادة لدى الجمهور.. أن يسقط القضا مدى الدهور

والمقصود من النظم : أن علامة الصحة في العبادات هي سقوط القضاء .
وقد أبان هو عن هذا المعنى في أول النظم عند قوله :
كفاية العبادة الإجزاء.. وهي أن يسقط الاقتضاءُ
أو السقوط للقضاء وذا أخص…الخ .

ومن منهجه : أنه يُورد أسماء الأعلام في الأبيات ، للتنبيه على أهمية ترجيحهم أو رأيهم في المسائل ، كقوله :
وهو مُفضَّل على ذي العين..في زعم الأستاذ مع الجويني

والمقصود من النظم : أن فرض الكفاية أفضل من فرض العين عند الاسفراييني (ت: 418هـ)والجويني (ت: 478هـ )ووالده (ت: 438هـ)رحمهم الله تعالى .
وكقوله :
أو كان صيغة لها النفي لزم..وغير ذا لدى القرافي لا يعم
والمقصود من النظم : أن النكرة في سياق النفي لا تفيد العموم عند الإمام القرافي (ت: 684هـ)إلا ما استثني .
وكقوله :
وموجب أقلُّه القفال.. والمنع مطلقا له اعتلال
والمقصود من النظم : أن محمد بن علي القفال(ت: 365هـ ) رحمه الله تعالى ، الذي شرح رسالة الشافعي رحمه الله تعالى قد نصَّ على أن لفظ العام المخصوص إن كان جمعاً، فيلزم أن يكون أقله اثنين أو ثلاثة .
وقوله :
بل هو عند الجُّل بالرجحان ..والقطع فيه مذهب النعمان
والمقصود من النظم : أن العام يدل على ثبوت الحكم في جميع ما يتناوله من أفراد ، في مذهب أبي حنيفة (ت: 150هـ) رحمه الله تعالى.
وقوله :

وليس بالغالب في الُّلغات.. والخُلف فيه لابن جني آت
والمقصود من النظم : أن المجاز ليس غالباً في اللغات خِلافا لابن جِنِّي(ت: 392هـ ) رحمه الله تعالى .
وقوله :
وبَثَّ للصحة في المدارس .. معلِّلاً بالنهي حبر فارس
والمقصود من النظم : أن النهي يقتضي الصحة أو الفساد مسألة خلافية ، ورجح أبو حنيفة رحمه الله تعالى أنه يقتضي الصحة .

وكقوله :
وابن عُلَية يرى للصُّوري.. كالقيس للخيل على الحمير
والمقصود من النظم أن اسماعيل بن علية (ت: 193هـ) رحمه الله تعالى ، قال بجواز العمل بالشبه الصُّوري للشبه في الصورة المظنونة علتها.
ومن منهجه : جمعه لفرائد المسائل وشواردها ،كما نظم فروض الكفاية العشرين في خمسة أبيات عند قوله :
فروضه القضا كنهي أمر….الخ .
ومثل قوله :
فنفي صحة ونفي الأجر..في وقت كره الصلاة يجري
ومن منهجه : عنايته بالمعاني ودلالات الجمل مثل قوله:
والأمر للصبيان ندبه نُمي.. لما رووه من حديث خثعم
وفي النظم اشارة الى حديث الخثعمية : ” ألهذا حج ؟ ” أخرجه مسلم في صحيحه .
ومثل قوله :

أصل كبير في أمور الآخرة.. والنافعات عاجلاً والضائرة
وفي النظم اشارة إلى أن الدوران الأصولي متعلِّق معناه بكليات الدنيا والآخرة ، فيلزم تعلمه وتعليمه .
ومثل قوله :

والمجمع اليوم عليه الأربعة.. وقفو غيره الجميع منعه
وفي النظم اشارة الى وجوب تقليد المذاهب الأربعة .
ومن منهجه : الدعوة الى التمسك بشرع الله وسنته كما في الصحيحين ، كما في قوله :
وكونه أودع في الصحيح.. لمسلم والشيخ ذي الترجيح
وفي النظم اشارة الى منزلة الصحيحين والعمل بهما .

ومثل قوله :
ويُنبذُ الإلهامُ بالعراء.. أعني به الهام الأولياء
وفي النظم تحذير من الركون إلى الهام الصالحين وكشفهم وذوقهم وتقديم ذلك على الكتاب والسنة ، لأنه انحراف عن جادَّة السلف وطريقة مخترعة لتحريف الدِّين .

ثالثاً : منهج العلوي في نشر البنود :
العلوي رحمه الله تعالى في كتابه النشر، يُبيِّن المجمل ويوضِّح المبهم الذي رقمه في منظومته .
وفي الشرح فرائد يعسر الوقوف عليها في المطوَّلات مثل قوله : ” لا يُنقض ما خالف نصاً أو اجماعاً وقاعدة أو قياسا جلياً، وهذه الأربعة نظمها بعضهم فقال :
إذا قضى حاكم يوما بأربعة.. فالحكم منتقض من بعد إبرام
خلاف نص واجماع وقاعدة.. كذا قياس جليٍ دون ابهام”.

وقد وجدتُ له ما يدلُّ على تقواه وورعه في نظره إلى المسائل ، كما ذكر عند قوله :
ويُنبذ الإلهامُ بالعراء.. أعني به الهام الأولياء
وقد رآه بعض من تصوَّفا .. وعِصمة النبي تُوجب اقتفا
لا يحكم الوليُّ بلا دليل.. من النصوص ومن التأويل

فقد بيَّن أن الولي لا يحكم ولا عبرة بقوله ، إلا بما وافق الدليل الشرعي ، ثم استدل بقول أبي سليمان الداراني (ت: 215هـ )رحمه الله تعالى : ” ما قبلتُ وارداً إلا بشاهدين من الكتاب والسُّنة ” .
ويتجلَّى ذلك فيما يلي:

1-يُورد بيتاً – وهو الغالب -أو بيتين أو ثلاثة ، ثم يشرع في بيان المراد منها لغوياً ، وقد يُعرِّج على اعرابها نحوياً وصرفياً باختصار ، لطرد السآمة والملل في الدرس الأصولي ، وليست هذه قاعدة مطَّردة في الكتاب كله ، لكنها جادَّة مطروقة عنده.

ثم يشرع في بيان المعنى الأُصولي إما نقلًا عن أئمة الأصول وهو الأغلب ، أو يُعبِّر عن المراد بلفظه هو ومعناه الذي دلَّ عليه النظم .
وفي ثنايا شرحه يُرجِّح مذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى ويُشير إلى المذاهب الثلاثة بلا استثناء ، وهذه منقبة للكتاب يُشكر عليها صاحبه ، غفر الله له.
مثال ذلك عند شرحه للمرسل في قوله :
وهو حُجة ولكن رُجِّحا.. عليه مسندٌ وعكس ُصحِّحا

قال في النشر : ” يعنـى أن المرسـل حجـة عنـد مالـك وأبي حنيفـة ،قـال عِيـاض: في المـشهور عـنهما- وعند الإمام أحمد في أشهر الروايتين عنه والآمـدي ، وأكثـر مـن تكلَّـم في الأصـول قـالوا: لأن العـدل لا يـسقط الواسـطة بينـه وبـين النبـي صلى الله عليه وسلم إلا وهـو عـدل عنـده، وإلا كـان ذلـك تلبيـساً قادحـاً فيـه، وردَّه الأكثـر منهم الـشافعي، والقـاضي أبو بكر البـاقلاني للجهـل بعدالة الساقط “.
وأيضا قال عند شرحه لقوله :
من ليس ذا فقه أباهُ الجِيل.. وعكسه أثبته الدليلُ

قال في النشر : ” يعني أن رواية غير الفقيه أ باها؛ أي ردَّهـا الجيـل بكـسر الجـيم، والجيـل الـصنف مـن الناس، والمراد به أهل المذهب، وهو المنقول عن مالك؛ لأنه لسوء فهمه يفهم الحديث عـلى غـير معنـاه، وربـما نقـل بـالمعنى فيقـع الخلـل في مقـصود الـشارع.
وقـال أ بو حنيفـة: لا تُقبل رواية غير الفقيه إذا خالفت القياس، كحديث المصراة. تنبيه: قال القرافي في التنقيح: والمنقول عن مالـك أن الـراوي إذا لم يكـن فقيهـاً فإنـه تُترك روايته، ووافقه أبو حنيفة، وخالفه الإمام أحمد وجماعة “.
وأيضا قال عند شرحه لقوله :
وعلَّلوا بما خلت من تعدية.. ليعلم امتناعه والتقوية

قال في النشر : ” يعني أن المالكية والشافعية والحنابلة جوَّزوا التعليل بالعلة التى لا تتعدَّى محلَّ النص ” .
فيتبيَّن من الأمثلة السابقة حرص العلوي على نقل قول الجمهور ، أو خلاف بعضهم لبعض ، وهذا من أمانته ودقته في النقل .

2-المصنِّف يعتني بالترجيح عند سرد الآراء الأصولية ، سواء كانت محلَّ خلاف عند الإمام مالك رحمه الله تعالى أو ليست كذلك ، لكنه لم يلتزم بهذه المنهجية في كل مباحث الكتاب .
والذين أورد ترجيحاتهم من الأئمة هم : ابن الصلاح(ت: 643هـ ) والقابسي(ت: 403هـ ) وعلي القاري(ت: 1014هـ ) وابن حجر(ت: 852هـ ) والقرافي (ت: 652هـ ) والآمدي(ت:631هـ ) وابن الحاجب(ت: 646هـ )والعبادي(ت: 992هـ )والنووي (ت: 676هـ)والسبكي (ت: ) والباقلاني(ت: 402هـ )وابن أبي شريف(ت: 906هـ) رحمهم الله تعالى.

3-التصويب للمسائل الأصولية التي تحتمل النظر نقلها المصنِّف عن أبي زرعة (ت: 826هـ )والباجي (ت:474هـ )والآمدي (ت:631هـ )والبيضاوي (ت: 685هـ)والقرافي (ت: 684هـ )والسُّبكي الوالد(ت: 756هـ )والعبادي (ت: 992هـ )وزكريا الأنصاري (ت: 926هـ )رحمهم الله تعالى.

4-عند شرح الأبيات يقول المصنِّف في فاتحة الشرح : يعني أن كذا….الخ . ويقصد بهذا تصوير المسألة للمتلقِّي أو السامع ، وهو منهج أصولي بديع يندر في الكتب الأصولية .
وقد صرَّح هو بتصوير المسائل في أكثر من موضع ، منها عند قوله :

……………..والتفصيل احداثه منعه الدليل
في باب الإجماع ، وفي أربع مسائل أخرى متفرقة .

5-المصنِّف يُعزِّز كلامه بالمثال سواء كان من معقوله أو منقوله، فعند شرحه لقوله :

وما لِفيدٍ عن ضَرورة ذُكر.. أولا وفي العفو خِلاف قد سُطر
قال في النشر : ” …الجمعة صلاة مفروضة فلم تفتقر في اقامتها إلى إذن الإمام الأعظم كالظُّهر “.
والأمثلة في الكتاب كثيرة جداً ، ففي كل صفحة مثال أو أكثر.

6-المصِّنف يستدرك على غيره من العلماء ، فقد استدرك على إمام الحرمين ما نُسب للإمام مالك رحمهما الله تعالى ، من تجويز قتل ثُلث الأمة لإصلاح الثلثين .
وقد نَقل هذا عن الإمام القرافي رحمه الله تعالى .

واستدرك أيضاً على الأصوليِّين في مسألة الخلاف في الأخذ بالأخفِّ أو الأثقل ، ونقل القول الضعيف من تحرير القِرافي له .
7-المصنِّف يورد تحرير محل النِّزاع في أكثر المسائل ليقوِّي حجة الصحيح ويبيِّن ضعف المرجوح ، كما في شرحه لقوله :

وفي انقسامها لقسمين وكل.. في قوله مُخط تردد نُقل
فقد حرَّر فيه مسألة انقسام الأمة في الخطأ نقلاً عن العبادي رحمه الله تعالى .

8-المصِّنف يعتني بالفروق ويقارن بين المتماثلات ويستخرج منها حُكما كلياً . فعند شرحه لقوله :
ويتضمَّن الوجوب فرَّقا.. بعضٌ وقيل لا يدلُّ مُطلقا
قال في النشر : ” فرَّق بعضهم بين أمر الوجوب وأمر الندب ، فقال يتضمَّن الأول النهي عن ضده بخلاف الثاني …” .

9-المصنِّف يلخِّص المسائل الطويلة بكلمات قليلة ، وهذه مزية لهذا الكتاب لا تكاد توجد في غيره من الكتب الأصولية .
فعند شرحه لقوله :
وواجب العصمة يمنعُ الجنف.. وصحَّح الوقوع عصرَه السلف
فقد لخَّص في النشر مسألة اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم وحكم اجتهاد غيره ، ونقل عن الآمدي الأقوال في المسألة .

10-يُورد المصنِّف في مواضع مختلفة تنبيهاً بعد شرحه للأبيات ، وهي فيما ظهر لي الحاقات أو تقييِّدات لمسألة لم ترد في المنظوم الذي تناوله بالشرح . فتكون هذه التنبيهات تصحيحات لمسائل راجعها المصِنِّف أو أضافها لتكملة معنى الأبيات .

انتهى الدرس الأول ويليه الدرس الثاني إن شاء الله تعالى .
هذا ما تيسر تحريره والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
1440/8/12